بين المنصات الاجتماعية والدراما السليمة … محمود إدريس لـ«الوطن»: الدراما كانت محكومة بعدة ضوابط وتعاني من كثرة الدخلاء
| مصعب أيوب
في خضم المنصات الاجتماعية وزحمة المحتوى المطروح هنا وهناك على وسائل التواصل وكذلك على محطات التلفزة من مسلسلات وأعمال تلفزيونية، نجد الجمهور يأبى أن يعيد مشاهدة هذا المحتوى أو ذاك أكثر من مرة واحدة وربما لا يكمله وإن قصرت مدته، على حين أنه يهرع مسرعاً إلى أعمال الفن الجميل وأعمال الأبيض والأسود وبعض أعمال بداية الألفية على الرغم من أنهم يحفظونها عن ظهر قلب، وكأن صناعها وضعوا فيها خلطة سحرية منحتها الخلود في الأذهان وحجزت لنفسها موقعاً ثابتاً في قلب ووجدان المشاهد، ولاسيما أن المحطات الفضائية المحلية والعربية أيضاً تعيد بشكل دوري عرض الكثير من تلك الأعمال عبر شاشاتها وصفحاتها الإلكترونية وهو ما يؤكد القيمة المهمة لتلك الأعمال والرسالة النبيلة التي حملتها.
أعمال خالدة
من منا لا يذكر عائلة «الفصول الأربعة» بتناقضاتها وشخوصها التي تشبه إلى حد كبير شرائح مجتمعنا الحالي لدرجة أن أي شخص يمكنه رؤية نفسه في هذا العمل، خلافات «مكدة» و«نجيب» وحميمية نبيلة وكريم أو حركات الشباب الطائشة وجنون المراهقة عبر شخصيات رامي ومازن ومايا وسوسو؟! ومن يمكنه أن ينسى سذاجة أسعد خرشوف وجودي الحسود والاستغلالي والوصولي أو رجال المخفر أبو نادر وحسان وبساطتهم وعفويتهم؟ وكذلك مسلسل «بطل من هذا الزمان» الذي أضحكنا وأبكانا فيه الفنان أيمن زيدان بالشراكة مع الفنانة نادين خوري، ومسلسل «الخوالي» وشهامة نصار ابن عريبي، ومسلسل «ليالي الصالحية» وأمانة المعلم عمر وصراعه مع ابن عمه «المخرز»، ومسلسل «أيام شامية»، وعائلة النجوم بأجزائه المختلفة، و«الكواسر»، و«عودة غوار»، و«الجمل»، و«عائلتي وأنا»، و«أحلام كبيرة»، و«كسر الخواطر»، و«الزير سالم»، و«ملوك الطوائف»، و«صقر قريش»، و«نزار قباني»، و«الانتظار»، القائمة تطول ولن تكفي مادة صحفية واحدة لنحصر فيها تلك الأعمال الجميلة التي تتصل بوجداننا بحبل سري يكاد يكون من الصعب قطعه.
بطولة مطلقة
في وقتنا الحاضر يصعب علينا إلى حد ما حصر وإحصاء الأعمال التي تعرضها الشاشات والمنصات ولكن مع ذلك تبقى بعض الأعمال التي نشأنا وترعرعنا برفقتها وتعلمنا منها الكثير لصيقة الروح فهي أعمال تلفزيونية راسخة في الذاكرة عصية على النسيان وربما شارك في تنفيذها عمالقة الكتاب وكبار الممثلين وكذلك المخرجون.
فكان المضمون صالحاً للعرض في أي زمان وأي مكان ويحترم المشاهد واهتماماته وعقله بعيداً عن مفهوم البطولة المطلقة التي تشيع جداً في الأعمال المعاصرة، ولاسيما أنها أفكار مؤلف مخضرم وتنفيذ مخرج يعنيه جيداً رضا الجمهور ويسعى لتقديم العمل الفني بأبهى صورة في وقت كان في المناخ الثقافي يشجع على ظهور مواهب فنية فذة في الكتابة والإخراج ، وهو ما أكده الكاتب والسيناريست محمود إدريس ، فنجد البطل مقحماً في كل مشهد ويتفنن في تهميش كل من حوله، فهو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة، وكأن العمل قد صمم له خصيصاً فتضرب شركة الإنتاج عرض الحائط بعقلية الجمهور وتستخف بشعوره ، فيشير إدريس هنا إلى أن الصناعة بحد ذاتها كانت في وقت سابق محكومة بعدة ضوابط فنية لم تعد موجودة اليوم.
لمن الحكم لاحقاً؟
لا يختلف اثنان على أن ما يقدم اليوم أفضل بكثير مما كان يقدم سابقاً إنتاجياً وتقنياً وفنياً ولا مجال للمقارنة، وجمالية المشهد والصورة تؤدي دورها ببراعة والإضاءة التي تطورت مدارسها كذلك، إضافة إلى سهولة الوصول للمحتوى المطلوب في ظل الطفرة التكنولوجية والتقنية، ولكن المشكلة في المضمون الذي يطرح، ربما يكون الحكم للجيل القادم، فكما نحن اليوم نعد أعمالاً أصبح عمرها عشرين وثلاثين وخمسين عاماً أعمالاً مهمة وجوهرية ووجدانية وقريبة إلى قلوبنا وفي بعض الأحيان نعتبرها تمثلنا وتحكي تفاصيل حياتنا وشخصياتها تعيش بيننا فإنه كذلك بعد عدة عقود ربما تصبح الأعمال المعاصرة التي تقدم حالياً أيضاً أكثر حميمية للمشاهد مقارنةً بأعمال حديثة ربما ستنفذ وتقدم في وقت لاحق، فالحكم إلى حد ما مرتبط بالنسبة والتناسب.
اقتباسات أدبية
باقة لا بأس بها من الأعمال التي أُخذت من أصل أدبي ثقافي انطلقت أساساً من منتج ورقي وروائي أحبه الجمهور وثم تبناه مخرج محب لعمله ومنتج شغوف بمهنته، فقد كتب بعض الروائيين سيناريوهات وحوارات عميقة وذات محتوى أدبي مهم ليقدموا من خلالها ترجمة فنية لأعمال فكرية تكتنزها المكتبة العربية ليتم تقديمها عبر شاشات التلفزيون، ومن جملتها مسلسل «جريمة في الذاكرة 1992» عن رواية الجريمة النائمة للكاتبة أغاثا كريستي، مسلسل «ليل المسافرين 2000» وهو مأخوذ عن رواية البؤساء ليفكتور هوغو، مسلسل «نهاية رجل شجاع 1993» للأديب حنا مينه وهو من بطولة أيمن زيدان وسوزان نجم الدين وأخرجه نجدة أنزور وكتب نصه الكاتب حسن م. يوسف، مسلسل «حدث في دمشق 2013» وهو مأخوذ عن رواية وداد من حلب.
التلفاز كان نجماً
يجد اليوم أصحاب الأعمال المعاصرة أنفسهم في مأزق لا يحمد عقباه بحيث باتت مشاريعهم تنسى ولم يمض على انتهاء عرضها ساعات قليلة في الوقت الذي تتربع فيه أعمال الزمن الجميل في صدارة المشهد وتعيش لفترات طويلة الأمد، فلماذا لم يستطع الجيل الجديد أن يسحب البساط من تحت أعمال تلك الحقبة وما الذي يجعل تلك الأعمال خالدة وراسخة؟ وما الذي يجعلها عالقة في الذاكرة وصامدة في وجه الأعمال المعاصرة بعد أن أصبح عمرها عدة عقود؟
وبحسب إدريس فإن الإبداع الفني سابقاً كان أساسه الاستيعاب السليم للدراما ومهامها ومسؤولياتها، ، كما أوضح إدريس أن التلفاز كان سابقاً نجماً وبطبيعة الحال فقد كان يصدر نجوماً، أما اليوم فإن منصات العرض المختلفة أو العرض من خلال الإنترنت هو أساساً ليس نجماً، أو على الأقل لا يمتلك كاريزما التلفاز، وبالتالي من الطبيعي أن يكون عامل الرسوخ في الذاكرة أقل حضوراً أو حتى غائباً في عدد من الأعمال.
كما يشدد إدريس على أن المهنة تعاني من كثرة الدخلاء الذين يتعدّون على المهنة من دون حسيب أو رقيب، مؤكداً أن السبب ربما يكون كثرة الطلب الذي زاد بشكل كبير وهو ما جعل كثيرين يتجهون إلى سوق العمل في الدراما التلفزيونية من دون توفر المقومات الأساسية ثقافياً أو معرفياً بالحد الأدنى، وهو ما يفضي إلى تقديم مواد درامية لن نقول عنها سيئة وإنما متواضعة إلى حد ما وغير قادرة على الاحتفاظ بأي مكان لها في ذاكرة المتلقي.