أحسب أن الأسئلة أهم بكثير من الأجوبة، فالسؤال مفتوح دائماً على المستقبل كإشارة الاستفهام، على حين أن الإجابة مهما بلغت من الحصافة تبقى مغلقة ونسبية، ولهذا تتمثل الفكرة الجديدة طاقة الفكرة القديمة ثم تنفيها، كما تتمثل نبتة الفاصولياء طاقة الحبة التي تنبثق منها ثم تحولها إلى قشرة فارغة.
قبل يومين كنت أشاهد على شاشة التلفزيون تقريراً صادماً عن عملية الإبادة الإجرامية الممنهجة التي يمارسها الصهاينة على امتداد قطاع غزة، وقد توقفت طويلاً عند مطالبة سلطات الاحتلال لأهالي شمال غزة بالخروج من منطقتهم والذهاب إلى سيناء أو إلى جنوب القطاع. للوهلة الأولى ظننت أن الصهاينة يعتزمون تسوية بيوت شمال القطاع بالأرض وفلاحة أرضه لتدمير كل ما فيها من أنفاق فتحت الأطلس على خريطة فلسطين وأمعنت النظر فيها طويلاً. وقعت عيني على اسم قناة سويس فتذكرت القناة التي أعلن الكيان السرطان أنه قد بدأ العمل فيها منذ عشر سنوات. وأطلق عليها اسم اليهودي البولوني دافيد غرين الذي عَبْرَنَ اسمه عندما هاجر إلى فلسطين فأصبح ديفيد بن غوريون. استخدمت محرك البحث غوغل لتحديث معلوماتي، لأنني كنت قد قرأت أن مدة العمل في إنشاء تلك القناة هي خمس سنوات فقط! أدهشتني ضحالة وقدم المعلومات المتوافرة على الإنترنت عن قناة بن غوريون! لجأت لتطبيق الذكاء الاصطناعي فأكد لي أن العمل في تلك القناة بدأ فعلاً عام 2013، أما فيما يتعلق بالشق الثاني فقد أجاب: «كعامل ذكاء اصطناعي، لا يمكن لي تحديد ما إذا كانت قناة بن غوريون قد افتتحت بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط أم لا، وذلك لعدم وجود مصادر موثوقة، أو أنها قد تم إطلاقها بشكل هادئ من دون جذب الانتباه الكبير»!
لقد سبق لي أن أعلنت مراراً أن الكيان –السرطان هو كيان وظيفي أنشأه الغرب كجبهة متقدمة في حرب النفط التي أعلن بدايتها وزير الحربية البريطاني اللورد فيشر عام 1901، والآن وأنا أنظر إلى مخطط قناة بن غوريون تتشكل لدي قناعة بأن الهدف الأساسي الذي تريد آلة القتل الصهيونية النازية تحقيقه من خلال تدمير كل شيء في شمال غزة وهدم بيوته على رؤوس ساكنيها المدنيين، هو جزء من الوظيفة المكلفة بها من الغرب، والذي يتجلى في إعلان افتتاح قناة بن غوريون مما سيحرر الغرب من حاجته الحيوية للغاز الروسي!
وهذا يعني أن البندقية التي تقاوم الآن على أرض غزة البطلة لا تدافع عن القضية الوطنية الفلسطينية فقط بل تدافع عن مصر بالدرجة الأولى، ذلك لأن إيرادات مصر من قناة السويس ستنخفض من عشرة مليارات من الدولارات إلى أربعة فقط، فقناة بن غوريون ستكون بعمق خمسين متراً وعرض لا يقل عن مئتي متر، كما ستكون أعمق من قناة السويس بعشرة أمتار، أي إنها ستسمح بمرور أكبر قياس من السفن في العالم.
في الختام أود أن أذكّر القارئ العزيز بالفرق بين «الحزن القاتل والحزن المُقاتل» كما عبر عنه المفكر حسين مروة رحمه الله.
فالحزن يكون قاتلاً عندما يقف من يشعر به على الجبهة الخطأ ويفتقر للوعي والإيمان مما يجعله عبئاً على نفسه وعلى من حوله، لكن الحزن يصبح مقاتلاً حينما يقترن بالوعي ويحفز صاحبه على الدفاع عن حياة الآخرين، وذاك هو الحزن العظيم.