سألت بائع خضر وفواكه منذ بضعة أيام عن سعر كيلو غرام البرتقال في المزة بدمشق، أجاب: عشرة آلاف ليرة سورية.
انتقلت إلى بائع آخر على الرصيف ذاته، حيث أجاب عن السؤال نفسه بحدة وعنجهية وصلف: خمسة عشر ألف ليرة …!!. ما من شك أنه يمتاز بفراسة ماهرة، جعلته يدرك أنني مستاء من عدم وضع تسعيرة لبضائعه، ما يحفزني على السؤال، ذلك أن زبائنه يضعون الفواكه في الأكياس قبل السؤال عن السعر.
أغلب الباعة وجلهم من ذوي البسطات على الأرصفة أو شاحنات «السوزكي» الصغيرة، لا يضعون تسعيرة على بضائعهم، وأسعارهم جنونية، أسعار نهب وسرقة، والدليل أن صالات السورية للتجارة تبيع النوع الأول الممتاز من البرتقال «أبو صرة» بـ4750 ليرة سورية حالياً، وهي تربح. وقد يكون ربحها وفيراً في هذا البرتقال، فالرقم كبير ويتمنى المنتجون ربعه..!!
بادئ ذي بدء لنتحدث عن التسعيرة وهي إجبارية في القانون ومن لا يضعها يعاقب. ويكفي أن يمر مراقب تمويني واحد على عدة أسواق يومياً ويسطر المخالفات بيسر وسهولة وسيخرج بحصيلة كبيرة قد تردع بعض الباعة عن الاستهتار بالقوانين وبالوزارة المعنية بشكل عام في الأيام التالية.
وقد يأتي الرد أننا سطرنا مئات الضبوط، لكن من المؤسف أن الوقائع على الأرض لا تشير إلى أي تغيير، بل إلى مزيد من التمادي في التحدي، تحدي الناس والوزارة …!! وهم أضعف خلق الله. –ظاهرياً- يدعون الفقر والسعي إلى السترة وتأمين قوت الأولاد، لكنهم عملياً، باتوا من أثرياء سورية وأرباحهم فاحشة جداً، ولا يسددون أي ضرائب على دخلهم المالي الكبير، في أسواق أبسط توصيف لها أنها «داشرة» تعلّم على الحرام. أسواق متروكة للشطارة في النهب لا أكثر ولا أقل، فكل الأسعار فيها مرعبة ومذهلة في خروجها عن المألوف، وتجاوز لما هو قانوني ومشروع. لقد طلب مني إحضار نصف كيلو دبس الفليفلة لاستعمالات مختلفة في البيت وليس للمكدوس وحده.
وشعرت من نظرات من في البيت، بأنني تعرضت لغبن شديد عندما علمت أن البائع حاسبني على أساس أن الكيلو بـ70 ألف ليرة. رجعت إلى السوق ذاته وسألت عدة دكاكين فكانت الإجابات متفاوتة ما بين (25 و35و70و80) ألف ليرة للكيلوغرام الواحد!! (لكن البائع وهو ليس حالة استثنائية يقول إنها فليفلة بلدية، غسلها ونظفها وجففها، أجابوا: ونحن نبيعها مجففة!!).
شاءت الصدف أن أعبر السوق العتيق في دمشق، ولفتت انتباهي (صفائح) دبس الفليفلة الكثيرة، سألت أحد الباعة عن سعر الكيلوغرام فأجاب: 12.5 ليرة سورية!!.
والله كدت أقع أرضاً. كررت السؤال وسمعت الجواب ذاته وأنها مجففة وممتازة …!! ورأيت إقبال الناس على شرائها. وما من شك أنه يربح. لا تقولوا: ثقافة الشكوى ضعيفة عندنا. لستم بحاجة (والكلام موجه لوزارة حماية المستهلك)، إلى شاك، يكفي مراقب واحد لجعل عدة أسواق تضع التسعيرة، وهذا حل مؤقت أما الحل الجذري فهو أن تتحول صالات السورية للتجارة إلى صالات لحماية المستهلك وأن تعود إلى جذور تأسيسها كجسر بين المنتج والمستهلك من دون الوسيط وأرباحه. وثمة على هذا الصعيد كلام كثير وأمثلة عديدة، نرى فيها أسعار تلك الصالات مماثلة أو أعلى من الأسواق الخاصة ولاسيما الشعبية.
إن الناس يتوقون أن تكون هذه الصالات لحماية المستهلك، وأن لها دوراً اجتماعياً أغلى بكثير من أي ربح مالي توفره لخزينة الدولة، أو لمديريها وبعض العاملين فيها. وقد نص على ذلك مرسوم تأسيس الشركة العامة للخضر والفواكه وهي نواة السورية للتجارة وأن تسمى صالات حماية المستهلك.