حوار وشراكة الحضارات بين النظرية والتطبيق … أثر الاستخدام الواسع للإرث المتراكم من الاكتشافات العلمية والتكنولوجية في حوار الحضارات
| مايا سلامي
صدر عن وزارة الثقافة- الهيئة العامة للكتاب، وضمن المشروع الوطني للترجمة دراسة بعنوان «حوار وشراكة الحضارات، بين النظرية والتطبيق»، إعداد وتحرير يوري يكوفتس وسهيل فرح، ترجمة د. نواف القنطار، تقع في 431 صفحة من القطع الكبير، وتقدم هذه الدراسة نتائج الأعمال المنجزة في ظل الدور الريادي لليونسكو حول مسائل الدينامية الاجتماعية والثقافية ومواد المؤتمر الدولي العلمي والدبلوماسي ومنتدى الحضارة الخامس عشر.
ويتناول الفصلان الأول والثاني من الدراسة مسائل الدينامية الاجتماعية والثقافية للحضارات وآفاق التغلب على الأزمة الاجتماعية والثقافية، وتشكيل نظام اجتماعي- ثقافي متكامل ومنظومة الأولويات للإستراتيجية طويلة الأمد لحوار الحضارات وشراكتها في المجالين الاجتماعي والثقافي ووضع نهج جديد لتشكيل مؤسسات الحضارات على أساس تطوير الذكاء الاجتماعي للإنسان العاقل، وجرت دراسة القوانين الناظمة للاتجاهات التاريخية للدينامية الاجتماعية والثقافية، وحُدد دورها الرائد في تحويل مكونات النمط الجيني للحضارات.
أما الفصول الستة التالية فتكشف النقاب عن الاتجاهات والأولويات الرئيسية لإستراتيجية تنمية مكونات المجال الاجتماعي الثقافي.
كما يوضح الفصل الثامن والأخير ضرورة تشكيل وتنفيذ الإستراتيجية طويلة الأمد لليونسكو وتوسيع مسؤولياتها وزيادة دورها في التغلب على أزمة الحضارة وتشكيل أسس منظومة اجتماعية ثقافية متكاملة وحضارة إنسانية- نوسفيرية- واتفاقية يالطا2. ويتضمن مرفق الدراسة مشاريع إعلان اليونسكو حول إستراتيجية الحوار والشراكة بين الحضارات في العلوم والثقافة والتعليم والأخلاق وبرنامج اليونسكو للحفاظ على الإرث الحضاري وتنوعه وإثرائه ونقله للأجيال القادمة، وكذلك مشاريع البرامج الدولية لتعليم الحضارة الرقمية للأجيال الجديدة والبرنامج الثقافي والتعليمي «روائع الفن».
الوعي الاجتماعي
وفي البداية يتحدث مؤلفو الدراسة عن الوعي الاجتماعي للإنسان العاقل الذي يعد المصدر الأساسي لمؤسسات الحضارة، ويبينون أن قانون الرأسيات يمثل أصل الإنسان العاقل وتطوره حيث اعتقد فريديريك إنجلز أن العمل خلق الإنسان وحول قطيعاً من القرود إلى تجمع بشري ومن ثم إلى مجتمع بشري، بيد أن نظرية النوسفيرا تسمح لنا بالنظر إلى مسألة أصل الإنسان على نطاق أوسع، فقد كتب العالم الروسي ف. إ فرنادسكي أن مصدر التقدم هو قانون التطور- زيادة في الكتلة وتعقيد وظائف الدماغ في جنس الإنسان ونوعه.
ويوضح المؤلفون أن اكتشاف العالم الروسي بافلوف يعد أساساً للتفكير المنطقي المتأصل فقط في البشر، وقبل بضع سنوات طرحت فرضية حول وجود نظام إشارات ثالث لدى الإنسان وهي القدرة على تكوين عالم متخيل افتراضي على أساس تفاعل نشاط نصفي الكرة الأيسر والأيمن للدماغ. ويؤكدون أن هناك مظهراً آخر من مظاهر نظام الإشارة الثالث هو المعتقدات الدينية التي تتيح للشخص تكوين صور الحياة الآخرة المتخيلة التي تنعكس على نطاق واسع في الأدب الديني والروائي وفي الرسم والنحت، وعلى هذا الأساس بالتحديد يتطور إبداع الخيال العلمي المكرس لبناء صور مجتمع المستقبل المنشود.
البنية السابعة
ويستعرض المؤلف سيرغي كيبالنيوكوف التقنيات المعرفية والنظام التكنولوجي السابع كطريق جديد نحو الحوار والشراكة بين الحضارات في مجال العلوم والتعليم والثقافة، ويعرفها قائلاً: «البنية التكنولوجية السابعة طريقة تفكير مختلفة لدى أغلبية سكان الأرض بقيم ومعان مختلفة وهي ليست تنشئة مستهلكين بل تنشئة مبدعين، ونحن بحاجة إلى تقنيين اجتماعيين، أما العقول فلدينا الكثير منها في روسيا ويمكننا أن نسبق العالم لذلك فإنهم لا يفكرون اليوم بالبنية السابعة».
ويشير إلى أن للمستوى المعرفي جذوراً في البنية السابعة وهو مدرج عبر الارتباط مع تقنيات النانو والتقنيات الحيوية والمعلوماتية، وهنا يجري الحديث عن المستوى التالي المبني اجتماعياً فوق البنية السادسة التي تتحكم فيه وتنظمه وتتعامل معه بشكل أساسي مع مشكلات النظام العالمي والنماذج الجديدة وأشكال الحياة الجديدة على هذا الكوكب.
ويكشف أن هذه البنية الفوقية يتمثل اختلافها المبدئي عن المستوى السابق بأن الأمر الرئيسي في المستوى السادس هو الإدراك، أما في المستوى السابع فيعتمد التصميم فيه على قانون تطور الحياة، منوهاً بأنها مناهج فلسفية فنحن لا نبني نماذج للواقع بل نبتكر هذه النماذج ونعيش فيها ونحركها ونطبق عملياً مبدأ الأسبقية المعرفية لإدارة المستقبل.
تغيرات جذرية
ويتناول المؤلفان بوريس كوزيك ويوري يكوفتس أزمة العلم وآفاق تشكيل النموذج العلمي للعصر ما بعد الصناعي، ويوضحان أن النصف الثاني من القرن العشرين تميز بنهوض العلوم ولاسيما العلوم الطبيعية والتقنية التي استخدمت في المجال العسكري على الرغم من عدم وجود تلك الاكتشافات العلمية الكبرى التي حفل بها النصف الأول من القرن العشرين، وكانت السمة المميزة لهذه الفترة هي الثورة العلمية والتكنولوجية التي ارتبطت بتطور البنية التكنولوجية الرابعة والاستخدام الواسع للإرث الغني المتراكم من الاكتشافات العلمية والاختراعات الكبرى في الفترة السابقة.
ويبينان أن التغيرات الجذرية في المجتمع منذ مطلع القرن وتبدل حضارات العالم وأجيال الحضارات المحلية وثورة الطاقة البيئية والتكنولوجية وتحول النظام الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والجيوسياسي، كل ذلك يثير عدداً من المسائل التي تتطلب فهماً عميقاً وبحثاً وتطويراً لوجهات النظر الجديدة حول المستقبل وطرائق حل هذه التناقضات والوصول بالبشرية إلى آفاق جديدة.