تتواصل تداعيات عملية «طوفان الأقصى» على مختلف الصعد وخاصة أن من الواضح أنها عملية ستأخذ شكل أو صورة الحرب العالمية المصغرة، وهو ما يمكن رصده بسهولة مع التحليل السياسي والاستراتيجي لتداعيات هذه الحرب.
وما حصل في مصر من ضربات تعرضت لها مناطق نويبع وطابا، صباح الجمعة الماضية، فضلاً عن وقوع ضربات ضد معبر رفح المصري من الجانب الإسرائيلي، جميعها تؤكد أننا أمام عملية دقيقة عسكرياً وخطيرة ولا يمكن الصمت بشأن تداعياتها.
لقد بات العالم الآن منقسماً بين الولايات المتحدة وإسرائيل وبريطانيا وعدد من الدول الأوروبية والغربية عموماً من جهة، وبين روسيا والصين وإيران وعدد من الحلفاء الداعمين لحركة حماس من جهة أخرى.
التقديرات الغربية اهتمت بهذه النقطة وخاصة عقب الزيارة التي قام بها عدد من قيادات حركة حماس إلى موسكو، وهو ما يعني استمرار احتضان روسيا سياسياً لهذه الحركة الفلسطينية وعناصرها.
وتأخذ القضية منحى استراتيجياً آخر مع كشفت بعض من الصحف العالمية عن طبيعة العلاقات الاستخباراتية وما يليها من خطواتها السرية بين حماس وعدد من الدول والأطراف، ومن هذه الصحف صحيفة «وول ستريت جورنال» التي أعلنت عن قيام قرابة 500 مقاتل حمساوي بالتدريب في إيران أخيراً.
التدريب وبحسب الصحيفة جرى قبل تاريخ السابع من تشرين الأول، أي قبل الهجمات التي قامت بها حركة حماس، وقد حدث التدريب في إيران وتحديداً في معسكرات متخصصة في شهر أيلول الماضي.
وقاد هذه التدريبات رئيس فيلق القدس إسماعيل قاآني، وجرى في هذه التدريبات بحسب الصحيفة:
1- استخدام تكتيكات جديدة في الاستراتيجيات العسكرية.
2- استخدم مقاتلو حماس طائرات من دون طيار ومعدات مراقبة متطورة وحتى المظلات للهجوم على الثكنات العسكرية والمستوطنات الإسرائيلية.
3- استخدام إيران لهذه العملية لتحقيق أهداف استراتيجية لها.
إن صحت المعلومات التي سربتها «وول ستريت جورنال»، وهو أمر غير مؤكد، فإن الكشف عن تفاصيل هذه العملية يحمل الكثير من الرسائل الاستراتيجية المهمة ومنها:
1- إن خروج 500 مقاتل من حماس للتدريب في معسكرات إيرانية هو أمر بالتأكيد لا يمكن أن يخفى على أجهزة أمنية بالمنطقة، ومنها مصر مثلاً.
2- لا يمكن أيضاً أن يخرج كل هذا العدد للتدريب العسكري في إيران دون أن تعرف قطر مثلاً شيئاً عن طبيعة هذه التدريبات.
3- دقة التسريب الصحفي الذي نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» يتلخص في معرفة الهدف الاستراتيجي من القيام بهذه التدريبات، هل كان فقط القيام بعملية تدريبية لمناورة عسكرية، أم للاستعداد للقيام بعملية عسكرية واسعة؟
4- بالتأكيد فإن مشاركة كل هذا العدد من المتدربين لا يمكن وبأي حال من الأحوال أن يكون طبيعياً، وبالتأكيد كان هناك هدف استراتيجي من ورائه، وهو ما تمثل في عملية «طوفان الأقصى» الحاصلة في السابع من تشرين الأول الجاري.
5- تفسر معطيات هذه الصحيفة ما يمكن وصفه بالبرود الشديد الحاصل الآن في العلاقات المصرية الإسرائيلية، وخاصة أن هناك جهات في مصر بالتأكيد كانت تعرف أمر هذه التدريبات، وبالتالي يفسر هذا سر البرود في العلاقات الثنائية بين تل أبيب والقاهرة، والأهم هو بلورة جو من عدم الثقة الإسرائيلية في السياسات الأمنية المصرية.
6- هناك تقدير موقف إسرائيلي أشار نصاً إلى أن القاهرة وحتى مع إبلاغها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بإمكانية حصول عملية من عناصر حماس كانت غير جدية في نقل هذه الرسالة، فضلاً عن أن القيام بهذه العملية سيؤدي إلى بعض من النتائج التي تتفق مع الأهداف السياسية المصرية ومنها مثلاً:
أ- توقف عجلة التطبيع بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، وهو، أمر تهتم به مصر كثيراً وخاصة مع شعور القاهرة بأن موجة التطبيع ستؤثر سلباً فيها وسيهز من مكانتها كوسيط جدي يمارس سلطاته في الكثير من الملفات الأمنية والسياسية مع إسرائيل.
ب- وجود فصيل عسكري مثل حركة حماس يحارب إسرائيل دوماً هو أمر مهم لمصر وخاصة أنه سيجعل إسرائيل دوماً في صورة المحتاج إلى القاهرة، سواء على الصعيد الأمني أم السياسي.
والحاصل فإن تسريب هذا التقرير المبني في الأساس على تقديرات استخباراتية وفي صحيفة مثل «وول ستريت جورنال»، إن صحت هذه التسريبات كما أسلفنا، يمثل رسالة سياسية لعدد من الأطراف ومنها مصر وقطر، وخاصة مع ما ورد بالتقرير من معلومات استراتيجية.
والواضح فإن بعضاً من الشواهد تشير إلى أن بعضاً من الدول العربية عموماً تسعى إلى تحقيق استفادة أمنية وسياسية من هذه التطورات، فضلاً عن سعي قطر الجدي أيضاً لتمويل هذه العملية على ما يبدو لضرب مساعي التطبيع بين إسرائيل وبعض من دول المنطقة، وهو ما لا ترضى عنه قطر تحديداً بالنهاية.