قضايا وآراء

مأزق إدارة بايدن وحرب إسرائيل على غزة

| أ.د قحطان السيوفي

منذ الساعة الأولى لعملية  (طوفان الأقصى)، اتخذت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن موقفاً معادياً منها؛ فأدانتها ووصفتها بـ«الإرهابية»، ودعمت ما سمي (حق إسرائيل في الدفاع عن النفس) وعندما قصفت إسرائيل المستشفى (المعمداني) في غزة، في 17 من الشهر الجاري، سارع بايدن وإدارته إلى تبني رواية إسرائيل التي تزعم أن المجزرة نتجت من سقوط صاروخ أطلقته حركة الجهاد الإسلامي.

ألقى بايدن خطاباً أظهر فيه تضامنه المطلق مع إسرائيل، وحذر من تصاعد موجة معاداة السامية والإسلاموفوبيا في الولايات المتحدة.

من جانب آخر موقف إدارة بايدن من الأزمتين الدوليتين، أو الحربين، في أوروبا (الحرب الأوكرانية) والشرق الأوسط (حرب إسرائيل على غزة)، وصفها الرئيس يايدن باللحظة التاريخية، زاعماً أن (قيادة أميركا تجمع العالم معاً).

الرئيس الأميركي وضع الحربين الدائرتين في إطار الدفاع عن الديمقراطية؛ قائلاً: «إن نجاح إسرائيل وأوكرانيا مصلحة حيوية أميركية،  وإن الحربين في أوكرنيا وغزة تتسببان بالمزيد من الفوضى والموت والدمار».

حاول الرئيس بايدن كذباً، أن يوازي بين دعمه لإسرائيل والفلسطينيين حينما ذكر أنه اتصل بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، مُدعياً (أننا لا نستطيع أن نتخلى عن حل الدولتين).

ومع ارتفاع الأصوات في الولايات المتحدة والعالم مستنكرة حرب الإبادة الجماعية لإسرائيل في غزة، بدا الرئيس بايدن يواجه ضغطاً دولياً وتحدياً يتعلق بالصورة الأبعد حتى من غزة، كيف الخروج من أزمتي الحرب الأوكرانية وعدوان إسرائيل على غزة، للتوصل إلى مخارج تحفظ الدور القيادي المتهاوي للولايات المتحدة؟ في أوكرانيا كما الحرب الإسرائيلية على غزة كان الرد الأميركي بتعزيز القدرات العسكرية للحليفين؛ وأعلن بايدن أنه طلب موازنة عاجلة لدعم « حلفائنا» في إسرائيل وأوكرانيا.

وذكرت الصحف الأميركية أن إدارة بايدن تطلب 100 مليار دولار، منها 10 مليارات دولار مساعدات لإسرائيل.

تقارير تقول إن الرئيس بايدن نصح الإسرائيليين بإيجاد بدائل للهجوم البري على غزة لأنه سيكون دامياً ومكلفاً، ونصحهم بعدم ارتكاب الأخطاء نفسها التي ارتكبتها أميركا بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول)  2001 .

أثار الدعم السياسي والعسكري المقدم من الولايات المتحدة إلى إسرائيل، في حربها على قطاع غزة، تباينًا في ردود الفعل في الداخل الأميركي،  مع قلق عام واسع بشأن احتمالات نشوب حرب أوسع في المنطقة، وتداعياتها على موجة من العنف في الولايات المتحدة وأوروبا إضافة إلى التظاهرات المؤيدة لفلسطين في أميركا، والانتقادات الداخلية في الإدارة ذاتها.

أظهر استطلاع للرأي أجرته شبكة «سي بي إس نيوز» الأميركية، أن قطاعاً واسعاً من الأميركيين لا يتوافقون مع سياسات إدارة بايدن في التعامل مع العدوان الإسرائيلي على غزة.

كشف الاستطلاع أن 56 بالمئة من المشاركين لا يوافقون مع تعامل بايدن في الأزمة الراهنة، في حين يعتقد 53 بالمئة أنه لا ينبغي للولايات المتحدة أن ترسل لإسرائيل المزيد من الأسلحة.

يرى 61 بالمئة من الديمقراطيين أن على بايدن بذل المزيد من الجهد لتشجيع الحل الدبلوماسي بعيداً عن البندقية، كما عارض 53 بالمئة بالمئة من الديمقراطيين إرسال مساعدات عسكرية جديدة لإسرائيل، فيما أيّد 70 بالمئة من الديمقراطيين ضرورة إرسال مساعدات إنسانية أميركية إلى قطاع غزة.

قالت صحيفة «نيويورك تايمز»، إن حزب بايدن يشهد انقساماً بسبب ردة الفعل الأميركية على الحرب، يدعو التقدميون والديمقراطيون الشباب إلى أن يضغط على إسرائيل لحملها على وقف حربها على قطاع غزة.

كما أعاد بعض أعضاء الكونغرس نشر رسالة البابا فرانسيس، والتي تحدث فيها عن الأوضاع الصعبة في غزة، ودعوته إلى «إسكات أصوات أسلحة في هذا الجو الدولي المتأزم»، إخفاق الكونغرس للمرة الثالثة حتى كتابة هذا المقال في انتخاب رئيس، لعدم وجود رئيس يؤخر موافقة الكونغرس على طلب الإدارة للمساعدات لإسرائيل وأوكرانيا، ويضعف من قدرة الرئيس على الوفاء بالتزاماته.

الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما قال في 23 من الشهر الحالي ، إن الحرب الإسرائيلية على غزة من الممكن أن «تؤدي إلى تصلب المواقف الفلسطينية لأجيال» وتضعف الدعم الدولي لإسرائيل، وتقويض الجهود لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة».

يرى المحللون أن ثمة تغيراً طفيفاً في لهجة بايدن، يرجع «لشعوره بالقلق من الانتقادات، والرغبة في إعادة انتخابه، وأن الرأي العام الدولي وفي المنطقة العربية والإسلامية، ينقلب ضد إسرائيل، بسبب الفظائع التي ترتكب في غزة»..

مدير معهد الدراسات النووية بالجامعة الأميركية في واشنطن، بيتر كوزنيك، وصف إدارة بايدن، بأنها «ذات طابع عسكري» ورفض محاولة إيجاد حل دبلوماسي بشأن أوكرانيا، واختار بدلاً من ذلك» خوض حرب بالوكالة مع روسيا».

ويرى كوزنيك أن «الولايات المتحدة بذلت بالفعل جهوداً في محاولة شن حرب بالوكالة مع روسيا والاستعداد للحرب مع الصين بشأن تايوان، ومع ذلك، فإن بايدن لديه إصرار على نية إسرائيل القضاء على حركة (حماس)، على الرغم من أن ذلك مستحيل عملياً.

أعلن جوش بول، مدير مكتب الشؤون السياسية والعسكرية في وزارة الخارجية الأميركية استقالته بسبب «الخلاف حول السياسة المتعلقة بمساعدتنا الفتاكة المستمرة لإسرائيل».

ذهب بايدن بعيداً في تأييده سياسات إسرائيل؛ فقد قال إنه أخبر نتنياهو هاتفياً أنه لو واجهت الولايات المتحدة مثل هذا الهجوم، فإن رده سيكون «سريعاً وحاسماً وساحقًا»، ما يعني إعطاء ضوء أخضر لإسرائيل للاستمرار في الجرائم التي تصل إلى حدِّ الإبادة ضد أكثر من 2,3 مليون من سكان قطاع غزة.

ويعدّ بايدن أول رئيس أميركي يزور إسرائيل وهي في حالة حرب، ويجتمع مع المجلس الوزاري الإسرائيلي الحربي المصغر، ما يجعل الولايات المتحدة شريكاً لإسرائيل في حربها ضد قطاع غزة. وتدعم واشنطن إسرائيل في عدة مجالات.

تعمل إدارة بايدن على تقويض أي جهد دولي لإرساء هدنة إنسانية، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى سكان القطاع المحاصرين، حيث استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي ضد مشروعَي قرارين، الأول قدّمته روسيا، والثاني قدّمته البرازيل».

بعد عملية «طوفان الأقصى» أمر بايدن بإرسال مساعدات عسكرية طارئة لإسرائيل، بالإضافة للسفن الحربية الأميركية الموجودة شرق البحر المتوسط للمشاركة في العمليات الإسرائيلية، والمهمة الأساسية لتلك السفن والطائرات الحربية هي إقامة توازن ردع ، منذ عقود يتباهى الرئيس بايدن بصهيونيّته، قائلاً: «لا تحتاج أن تكون يهودياً حتى تكون صهيونياً» وهو يكرر دائماً أنه «لو لم تكن هناك إسرائيل، لكان علينا أن نخترع إسرائيل».

على صعيد الحسابات السياسية، اقتراب الانتخابات الرئاسية، يمثّل فرصة لبايدن وللديمقراطيين لتقديم أنفسهم كداعمين أقوياء لإسرائيل.

بعض الخبراء حملوا إدارة بايدن مسؤولية عملية «طوفان الاقصى»، كما عدّوها دليلاً على إخفاق مقاربتها السياسية في الشرق الأوسط، التي قامت على توسيع الاتفاقات «الإبراهيمية»، التي بدأتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، للتطبيع بين دول عربية وإسرائيل، في حين تجاهلت حقوق الفلسطينيين.

إن انحياز بايدن المطلق إلى إسرائيل في عدوانها الوحشي على قطاع غزة، وإن كان قد يفيده من حيث العلاقة باللوبي المؤيد لإسرائيل في الولايات المتحدة، سيفقده دعم التيار التقدمي له والقاعدة الشبابية في الحزب الديمقراطي، فضلاً عن أصوات العرب والمسلمين في ولايات ترجيحية، من قبيل ميتشغان وفرجينيا وجورجيا وأريزونا، ومن هنا، قد ترتد حساباته ضده.

وبالتالي قد ترتب على موقف بايدن وإدارته المفرط في انحيازهما إلى إسرائيل ودعمه للإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل ضد أهالي غزة خسارة بايدن في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن