أمام أحداث عاصفة لا نجد الكلمات التي تعبر عن مشهد الموت المتنقل.. والهمجية التي ترتدي ثوب حضارة زائفاً، ونقرر أن نلوذ بالصمت، فلا الكلام من ذهب، ولا الصمت من فضة، علينا أن نشعر بالخجل عندما نرى أن العين تقاوم المخرز، وأن موازين القوى تميل هذه المرة إلى جانب الضعيف، وقد كنا نظن العكس!
لحظة صمت احتراماً للقابضين على الجمر الرافعي الرؤوس عالياً حتى تعانق عنان السماء يرسمون لوحة من نار ودماء من أجل حرية مسلوبة وأرض مسروقة وحق مستباح.
في لحظة الصمت هذه نتذكر أمير الشعراء أحمد شوقي وهو القائل:
وللحريّة الحمراء باب بكلّ يدٍ مضرّجة يُدقّ
ونتذكر أن هذه القصيدة التي نظمها أحمد شوقي قبل نحو قرن مضى إنما كانت لدمشق ولسورية التي كانت تخوض حرب التحرير ضد المستعمر الفرنسي، تلك الحرب التي بدأت في اللحظة نفسها والتي بدأ الجيش الفرنسي بالدخول إلى الأراضي السورية.
صحيح أن القصيدة كانت موجهة إلى سورية ورجالها وشعبها في الحرب التي يخوضونها من أجل الجلاء، لكن الصحيح أيضاً أنها موجهة اليوم إلى أبطال فلسطين ومقاومتها التي يتشرف كل إنسان بها مهما كانت جنسيته.
صدق أحمد شوقي.. فالحرية لا تهدى ولا تأتي على طبق من ذهب وفضة، الحرية تؤخذ غلاباً، والشعوب تنزع حريتها من أنياب الوحوش والغيلان ولصوص الأرض والحقوق الذين اقترفوا، ويقترفون على مدار الساعة المجازر البشعة بحق الأطفال والنساء والمسنين، ويدمرون كل أوجه الحياة، بعد حصار محكم مستمر على مدى سنوات طويلة.
اليوم صار عند المقاوم الفلسطيني بندقية، ربما استبدل بالحجر هذه البندقية، وكما أرعب أطفال الحجارة بحجارة الأرض جيشاً قالوا إنه لا يهزم، ترعب بندقية المقاومين وصواريخهم البدائية كيان العدو الذي ظهر على حقيقته، وانكشف بيته الذي هو أوهى من بيت العنكبوت.
أصبح لدى المقاوم بندقية، وها هو يسمع صوت نزار قباني الذي يصرخ بصوت جهوري:
أصبح عندي الآن بندقية.. إلى فلسطين خذوني معكم
عشرات القصائد والأغاني تم نظمها موجهة إلى فلسطين، ومن ينسى الشاعر الفلسطيني عبد الرحيم محمود وقصيدته التي يقول مطلعها:
سأحمل روحي على راحتي وألقي بها في مهاوي الردى
فإمــا حياة تسر الصديق وإما ممات يكيد العدا
هذا الشاعر المناضل الثوري كتبت له الشهادة في عام 1948 كما اشتهى.. وكما كتب في شعره، لم يكن ينظر ويكتب الأشعار من وراء مكاتب فارهة، بل من قلب الميدان، فكان قدوة في الشعر وقدوة في الثورة والنضال وحتى في الاستشهاد.
وإذا كنا نقف اليوم دقيقة صمت، بل دقائق صمت لروح شهداء فلسطين، وشهداء العرب الذين نذروا أنفسهم وإمكانيات بلادهم من أجل نصرة فلسطين وقضيتها العادلة، فإننا سنقف غداً وقفة عز وافتخار عندما نحقق النصر تلو النصر في حرب طويلة في سبيل الحرية والسلام والعدل.
أخيراً.. نقف دقيقة صمت على ضمير«العالم الحر!» الذي مات منذ سنوات طويلة ودفنه أصحابه تحت سابع أرض!.