وضع أسس جديدة للتخطيط العمراني لكامل الجغرافية السورية كان عنوان ورشة العمل التي أقامتها أمس وزارة الأشغال العامة والإسكان في فندق الداما روز بحضور خمسة وزراء: وزير الأشغال العامة والإسكان والإدارة المحلية والبيئة والسياحة والزراعة والتعليم العالي وكان هناك اتفاق على ضرورة مواكبة التطورات والتبدلات الناتجة عن استخدام التكنولوجيا مع مراعاة خصوصية التجمعات العمرانية وهويتها وانعكاسها على النسيج الحضري.
نتيجة وليست بداية
وزير الأشغال العامة والإسكان المهندس سهيل عبد اللطيف أكد أن هذا اللقاء حصيلة ثمار عدة اجتماعات لوضع أسس تخطيط لكامل المساحة الجغرافية مع مراعاة خصوصية كل وحدة إدارية، لافتاً إلى أن ذلك يأتي في إطار تطبيق السياسات والخطط التي وضعتها الوزارة ضمن رؤية تطويرية لعمل الحكومة ولاسيما مراجعة القوانين والمراسيم الخاصة بقطاع الإسكان لتكون أكثر مرونة ووضوحاً وعدالة وتحقق المصلحة الوطنية وتتماشى مع مرحلةِ إعادة الإعمار، كذلك انطلاقاً من رؤية الوزارة ومهامها التي تتمثل في إقامة مجتمعات عمرانية متطورة متكاملة ومستدامة، تتجاوز الأضرار والآثار الناجمة عن الحرب الظالمة على سورية وتداعيات كارثة الزلزال بآليات تخطيطية مبنية على أسس مكانية، والضبط الشديد لواقع العمل في المخططات التنظيمية بما يضمن الحفاظ عليها وعدم الإضرار بأي توجهات مستقبلية بشأنها.
مرسوم لأسس التخطيط
وأكد عبد اللطيف أن كل ذلك يتطلب إعداد مشروع /مرسوم/ خاص بأسس التخطيط العمراني يراعي خصوصية الوحدات الإدارية بما يضمن الاستخدام الأمثل للأراضي ويلبي المتطلبات المعمارية الوظيفية والجمالية ويحسن توزع الخدمات للمنشآت كافة وشبكات الطرق والنقل وخدمات المناطق الصناعية والحرفية لتأمين الاحتياجات الضرورية للازدياد الطبيعي للسكان.
خطوة لمسار صحيح
وفي تصريح لـ«الوطن» أكد عبد اللطيف أن مشروع المرسوم يأتي ضمن إستراتيجية وزارة الإسكان وهو خطوة مهمة لوضع التخطيط العمراني في المسار الصحيح، ونأمل أن نصل إلى وضع أسس للتخطيط العمراني يرتقي إلى أعلى مستوى ويلبي طموحات المرحلة القادمة، مما يستدعي المناقشة الواسعة العلمية المنطقية مع العديد من الجهات بغية الوقوف عند الإجراءات المتخذة على الواقع وتقييمها واقتراح ما يجب أن تكون عليه هذه الأسس من قبل أصحاب الاختصاص والمسؤولية. مشيراً إلى أنه سيتم وضع التوصيات والمقترحات الناتجة لتكون ضمن رؤى وخطط تنظيمية من شأنها تطوير العمل بما يلبي المتطلبات والطموحات. مؤكداً على أهمية التعاطي مع المخططات التنظيمية بمسؤولية عالية تخدم أهداف التنمية المستدامة.
لافتاً إلى أن سورية تشهد منذ بداية إطلاق عملية التحديث والتطوير توجهاً جديداً نحو تطوير عملية التخطيط بجميع مستوياته المكانية ليشمل أهدافاً تنموية وإستراتيجيات معاصرة من أجل تحقيق تنمية متوازنة ومستدامة تتكامل مع التخطيط التنموي القطاعي القائم، حيث شهدت المدن الكبرى والبلدات والقرى في سورية خلال الفترات الماضية تغيرات عديدة فرضت ضرورة إعادة النظر بأسس التخطيط العمراني السارية التي مضى على وضعها أكثر من نصف قرن.
منعكسات شديدة
وأضاف الوزير: إن الحرب التي عصفت بالبلاد منذ عام 2011 وما أفرزته من منعكسات شديدة على مختلف الأصعدة وضعت الجهات والمؤسسات الحكومية أمام تحديات غير مسبوقة كماً ونوعاً، مما يستوجب تطوير مناهج وأساليب جديدة تلبي احتياجات الواقع المتغير بسبب الانزياحات السكانية على المستوى الوطني والأضرار المكانية الكبيرة في مختلف المناطق وعلى مختلف القطاعات، حيث فاقمت الحرب الإشكاليات المكانية والتنموية، لتأتي بعدها تداعيات كارثة الزلزال مما عمّق هذه التحديات وأصبحت الحاجة ملحة لمرحلة انتقالية تتجه فيها سورية نحو التعافي العمراني والعودة إلى محركات النمو المستدام اقتصادياً واجتماعياً وبيئياً، وبالتالي فإن عملية التعافي العمراني تتطلب مراجعة متأنية لواقع التخطيط الحالي بما له من أثر مباشر في تحقيق تنمية حضرية متوازنة، انطلاقاً من مستوى التخطيط الوطني الشامل وصولاً للمستويات التخطيطية (الإقليمية – الهيكلية والمحلية)، كونها تتيح الاستخدام الأمثل والأكثر كفاءة لمختلف الموارد المحلية رغم محدوديتها بما فيها المادية والبشرية والفنية والمالية. وتحليل للأسباب والظروف التي أدت لرسم المشهد العمراني الحالي/الراهن ومدى الاستعداد لتبني واعتماد سياسات وخطط مستدامة من خلال وضع الأسس والمعايير التخطيطية اللازمة.
جميعنا مسؤولون
بدوره وزير الإدارة المحلية والبيئة حسين مخلوف أشار في حديثه إلى أنهم في إطار السعي لاستصدار صك تشريعي للوحدات الإدارية لمساعدتها على تلبية احتياجاتها الحالية والمستقبلية عبر مجموعة من الأسس والإجراءات التي تحدد المسؤوليات والنواظم التي تساعد في عمليات إعادة الإعمار وفق قوانين واضحة تلبي الاحتياج مؤكداً أن المجتمع كله مسؤول عن إيصال أشخاص أكفاء إلى الوحدات الإدارية وعن متابعة تقييم عملهم، علماً أن هناك نصاً بالقانون يؤكد على ما يسمى /الرقابة الشعبية/ والجميع مقصر لأن الوحدات الإدارية تمثل جميع القطاعات أي إنها ليست منفصلة عن المجتمع لذلك فهي معنية بالحفاظ على الأراضي التي ضمن ملكيتها.
وتساءل مخلوف: هل الوحدات الإرشادية معنية بالبناء المخالف على الأراضي الزراعية؟ وأكد أن القانون واضح لكنه بحاجة إلى إصدار تعديلات وتشريعات جديدة وإيجاد صيغة تصب في مصلحة المجتمع وأشار إلى أنه لابد من وجود جهة مختصة علمية تضع المخطط التنظيمي ضمن أسس علينا احترامها لأنه بتطبيق مشروع المرسوم لن يسمح بأي تعديلات مهما كانت عند التطبيق. مشيراً إلى أهمية أخذ النقاط الإيجابية واستبعاد واستئصال التجارب التي تحوي ثغرات سلبية تشوه الهوية البصرية أو تمنح استثناءات خارج سياق التنظيم العمراني وهذا مهم للحفاظ على الأراضي الزراعية والموارد الطبيعية على كامل المساحة الجغرافية.
جادون ومستمرون
وفي تصريح لـ«الوطن» حول قرارات هدم المخالفات في منطقة دمشق والتي ازدادت مؤخراً قال: إن الحكومة اليوم جادة ومستمرة في تنظيم هذا الموضوع وهناك جملة من البلاغات قد صدرت وسوف تصدر لمحاسبة كل المخالفين لأن كل ما يبنى على باطل هو باطل.
تلبية الاحتياجات السكانية
بدوره وزير الزراعة محمد حسان قطنا قال: إن الهدف من هذا اللقاء هو تحديد المسار الصحيح للمرحلة القادمة في إعداد المخططات التنظيمية التي تواكب وتلبي الاحتياجات السكانية والصناعية والزراعية، والخروج بأسس تعتمد معايير بيئية واقتصادية واجتماعية وعمرانية، قائلاً: يجب ألا ننظر إلى العمران كعمران فقط وإنما يجب أن ننظر للأراضي بتوصيفها، ولابد قبل الولوج إلى داخل مخططاتها التنظيمية أن ننظر إلى ما يحدث خارجها ومعالجة كل المخالفات الموجودة حالياً على الأراضي الزراعية. وفي المستقبل يجب ألا يكون هناك أي توسع في المخططات التنظيمية على حساب الأراضي الزراعية والاتجار فقط بالأراضي التي لا يمكن استثمارها زراعياً لأن أمننا الغذائي أصبح متوقفاً على ما تبقى من أراضي زراعية وحراجية تعتبر هي مصدر الغذاء والبيئة. مشيراً إلى أن أساس التخطيط العمراني يجب أن يستند إلى ميزان استعمالات الأراضي وعدم المساس بالأراضي الزراعية والحراجية التي تعتبر المتنفس الطبيعي وتحقق الأمن الغذائي.
محددات معينة
وقدم الوزير قطنا خلال اللقاء عرضاً تحت عنوان «دور الأسس التخطيطية بالحفاظ على الأراضي الزراعية عند إعداد المخططات التنظيمية» بيّن فيه أن وزارة الزراعة تعتمد عدة محددات للدخول للمناطق التنظيمية بدءاً من قانون أملاك الدولة الذي من خلاله يمكن تحديد الأراضي غير الصالحة للزراعة لاستثمارها في مجالات عمرانية، وقانون الحراج الذي يضمن المحافظة على بيئتنا سياحياً وهو المنفذ الرئيس لتوفير الأماكن السياحية، وأيضاً قانون البادية الذي ينظم العمل في البادية ويضع الأسس التي توفر احتياجات السكان واستقرارهم، وهناك الخطة الإنتاجية الزراعية وإستراتيجية تطوير القطاع الزراعي ومحددات استثمار الأراضي إلى جانب العديد من القوانين والقرارات والبلاغات ذات الصلة.
ولفت الوزير إلى ضرورة امتلاك رؤية واضحة للتعامل مع أي منطقة في المخطط التنظيمي وفق معايير وتوجهات تعتمد ميزان استعمالات الأراضي ومعالجة المخالفات خارج المخططات ووقف التعدي على الأراضي الزراعية عبر معالجة قانونية. واقترح الوزير اتباع أسلوب الجزر العمرانية التي تجعل المخطط العمراني غير متصل تماماً ولكنه يراعي قضايا الاستدامة والبيئة والاستثمار الزراعي وذلك كله في سبيل تحقيق الأمن الغذائي والحفاظ على الأراضي الزراعية لتلبية احتياجات الطلب المحلي من المنتجات الغذائية.
الحفاظ على الهوية العمرانية
وفي سياق متصل أكد وزير السياحة المهندس محمد رامي مارتيني أهمية الحفاظ على الهوية العمرانية لكل منطقة وإبراز الخصوصية والتوجه لتحقيق التنمية المكانية فيها. مؤكداً أن هناك عدة مشاريع وطنية يتم العمل عليها، مشدداً على أهمية إعادة النظر في أسس التخطيط العمراني من التجارب الماضية وهناك أيضاً مصطلحات يجب إلغاؤها مثل مصطلح الاصطياف الذي لم يعد أولوية بالنسبة للوزارة وأصبح التوجه للسياحة الشعبية.
تنظيم العمل
بدوره وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور بسام إبراهيم أكد أهمية التخطيط الإقليمي في تنظيم العمل وضمان عدم التداخل بين المناطق وأن يكون هناك توزع صحيح ضمن التخطيط العمراني سواء للجامعات أم غيرها.