إنّ المداد الأدبيّ ومعرفة مقوّماته، وكيف نقف على شطّ بحره الموغل في تاريخ الجمال الحقيقي، في تاريخ نباهة الأدب المستبقي لنا، قد تزدهي عصورٌ، وتزدهي كذلك بلاطات الأدب.
فالأدب هو الذاكرة الجماليّة لكلّ عصرٍ من العصور، هو المدّ الحقيقي بين لغتيّ الحلم والواقع.. وهو ذاك البوح الذي يختصر أعظم الأشياء الأدبية، ويضيء مدارات الثقافة لدينا، ويبقى الينبوع الأوحد..
هذه المدارات التي ترفد مكوّنات النفس البشريّة، مكوّنات الالتقاء على شطّ الحرف الأول، وشعاعه الثقافيّ المزدهر بألف لغة من لغات الحياة.
يُضيءُ ومكوّنات المدّ الأدبيّ، عبر ثقافة ما، عبر فكرٍ وهاجٍ، لا يخلو من عبقريات الإبداع المستمر..
عندما تبرق في أذهاننا فكرة المدّ أو المداد الأدبيّ، لا بدّ أن نتخيّل بحراً واسع من الكلمات الجميلة ذات المعنى الدال والمدلول عليه، وبالتالي نرى الأدب كالبحر وافر العطايا الثقافيّة يحمل في أحجيته المنطقية شيئاً من عظمة المعاني ورقيّ الألفاظ، وبالتالي يحملُ لنا أشياءً من حوائج الرُّوح، وإن رحلت إلى ذلك المدّ الوافر من بحر الأدب، بقي المداد امتداداً من ذاك الزخم.
ويبقى السؤال التالي:
أيشتاق إلينا الأدب في تجلّيات الوعد الخافق، وفي أحجية القول الواعد؟! أيشتاق إلينا في لجّة النبض الكتابي، واستحقاق بيّنات فاعل الثقافة وإن افتعل بنا؛ كما بينات أمر الأدب عظيم، هذا المدّ، وإن جاء موغلاً في جزئيات التاريخ الأدبيّ، في غيبيات الحضور الأدبيّ الممتد منذ القدم، حيث تكثر المصطلحات المعرفية والثقافيّة، على حدٍّ سواء.
فالأدب ريح طيبة النفحات، طيبة الثقافات، وطيبة الأفكار والألفاظ المتراكمة، وهذا لا يعني أن المدّ هو بحرٌ، تتلاطم به صور لفظيّة فحسب، وإنّما هو ذاكرة الترميز المختلفة المنشأ والأجناس؛ فمنها المدّ الشعري والقصصي والروائي والشعري والنثري..
ونُلاحظ أن لكلّ جنسٍ من هذه الأجناس الأدبيّة مداه الخاص به، له رسالته الدالّة عليه، وكذلك مهامه الفكرية والثقافيّة.
وهنا يبرز الشيء الذي يُسمّى «مهام الأدب» وحاله المستشرق، من خلال دراساته المستجدّة والموثّقة، وقد تكون هذه الدراسات المستفيضة بواقعها الأدبيّ هي بلورة حقيقية لذلك المدّ الأبقى، المدّ الذي نتمنّى أن يكون مدّاً وافداً إلينا.
وهنا نقرأ الأدب ومداه بألف لغةٍ ولغة، ونرى الرُّوح تعتلي عرشه «أي عرش أبهى الكلمات»، ونرى لغاتها وكأنّها تنبثق من ضرورات الوعي المعرفيّ، وذاك الحلم الأدبيّ المبتغى.. الذي يُبتغى نوره، ويعمل على بلورة المنطق اللغويّ لأي مفهومٍ تسترحب به مدارات «المدّ الأدبيّ» بكل ما يحمل من عظمة حقيقية، ما نزال نستلهم من نورها الكثير.. والكثير مما يُسمّى الأدب ولغة المداد.