قضايا وآراء

الغد بين رؤية ماكغريغور وأحلام نتنياهو

| منذر عيد

من التصريحات اللافتة للانتباه خلال اليومين الماضيين في سياق عملية «طوفان الأقصى» والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تصريحان، الأول لدوغلاس ماكغريغور المستشار السابق للرئيس الأميركي دونالد ترامب بقوله: «خوفي الأكبر هو أنه إذا اندلعت حرب إقليمية فلن تبقى هناك إسرائيل في النهاية»، والثاني لرئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بقوله: «هذه هي حرب الاستقلال الثانية، وفيها سنبيد العدو تحت وفوق الأرض وهذه مهمة حياتي».

الحقيقة المؤكدة التي أفرزتها الأيام الـ25 من عمر العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة افتقار قادة الكيان الصهيوني إلى خطة إستراتيجية عسكرية تمكن نتنياهو من تحقيق ولو الجزء اليسير من تهديده بإبادة «العدو»، وخاصة أنه في الوقت ذاته لا يملك ترف الوقت أو الخيارات لتجنب الضغط الكبير الذي يشكله وجود عدد كبير من جنوده أسرى لدى المقاومة الفلسطينية، وعليه فجل ما يقوم به جيش الاحتلال هو عملية انتقام من الحاضنة الشعبية للمقاومة في غزة، باستهداف المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ، وتدمير جميع أسباب الحياة في القطاع، بهدف تشكيل نوع من الضغط على المقاومة، ووضعها في موقف حرج أو متهم بالقتل أمام الفلسطينيين، وهو ما لم ينجح بتحقيقه قادة العدو الصهيوني.

كلام نتنياهو عن أن ما يجري هو «حرب استقلال ثانية» فيه الكثير من استعراض القوة الكاذبة، لأن استخدام فائض القوة لا يعني بالضرورة قوة فعلية، كما أن «الحرب» الحالية للكيان على قطاع غزة ليست الأولى التي يشنها ضد المقاومة سواء في لبنان أو فلسطين، بعد زرعه غدة سرطانية في المنطقة، بل إن جميع المواجهات التي خاضها جيش الاحتلال ضد المقاومة خرجت بالنتائج ذاتها، هزيمة مذلة، بعيدة كل البعد عن تحقيق أي من الأهداف التي أعلنها دائماً سواء منذ عام 1985 إلى 2006 في لبنان، وفي جميع جولات العدوان التي شنها الاحتلال على قطاع غزة سواء في عام 2006 عقب أسر المجند الإسرائيلي جلعاد شليط، أو في كانون الأول 2008 بعد 22 يوماً من العدوان، أو في آب 2014، أو في أيار 2021.

مع بقاء المقاومة، بل ازدياد قوتها عقب جميع المواجهات مع الكيان الصهيوني، فإن ذلك يؤكد أن العدوان الحالي لن يكون بأحسن من سابقيه بالنسبة لـ«إسرائيل»، من جهة قدرته على تفكيك بنيان المقاومة، أو كسر قدراتها وديمومتها، بل إن «طوفان الأقصى» قلبت الصورة، وغيرت من قواعد الصراع مع «إسرائيل»، ووضعت الكيان في موازين معادلة الفناء، بعد أن أظهرت هشاشة القدرات العسكرية والأمنية والاقتصادية الإسرائيلية، الأمر الذي يعيه جيداً قادة الكيان، والذي انعكس بشكل واضح في تضييق أهدافهم المعلنة وتراجع خططهم من عملية برية شاملة في غزة، إلى تأجيلها بسبب «ظروف الطقس»، إلى تبديل المصطلح من عملية برية، إلى توغّل بري محدود.

حالة الهزيمة التي يعيشها الكيان، إضافة لتداعي محور المقاومة والانخراط في نصرة غزة ومقاومتها، دفع العديد من المحللين والسياسيين إلى الحديث عن زوال «إسرائيل»، وهو ما حذر منه ماكغريغور في حديثه لقناة Redacted على موقع «يوتيوب»، من اختفاء إسرائيل حال اندلاع حرب إقليمية في المنطقة، الأمر الذي يراه البعض أمراً غير واقعي، وخاصة مع الدعم الكبير الذي تلقاه «إسرائيل» من أميركا والعديد من الدول الأوروبية، غير أنه على ما يبدو فإن شيئاً من تحذير ماكغريغور، بدأ يدخل قلوب القادة في الإدارة الأميركية، ودفع بهم إلى التحذير والعمل دون حدوث تلك الحرب «الإقليمية» عبر إرسال حاملات الطائرات إلى البحر المتوسط لتكون قوة ردع لا قوة تدخل بحسب ما قاله وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، إن إرسال الولايات المتحدة حاملة طائرات ثانية إلى شرق البحر المتوسط يأتي في إطار «ردع الأعمال العدائية ضد إسرائيل أو أي جهود لتوسيع الحرب».

إذا كانت كلمة زوال «إسرائيل» تدغدغ مشاعر جميع داعمي القضية الفلسطينية، وتثير استهجان البعض ممن يراها أحلاماً وردية، فحري بنا ذكر تأكيد رئيس «الكنيست الإسرائيلي» الأسبق إبراهام بورغ (1999-2003) بأن «إسرائيل» للزوال، لكونها دولة عنصرية، والعنصرية والظلم لا يمكن أن ينتهيا إلا بالزوال.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن