اقتصاد

حكاية للكبار… المدير وحبة البازلاء!

| د. سعـد بساطة

العـنوان محوّر عـن الحكاية الأصلية «الأمير وحبة البازلاء» للأطفال ضمن الموروث الثقافي للكاتب الدنمركي الذائع الصيت: هانز كريستيان أندرسن عـام 1835؛ وتتحدث عن الأمير الذي يريد أن يتزوج من أميرة حقيقية لكنه يواجه صعوبة بالعثور عليها، وفي ليلة عاصفة غزيرة الأمطار سُمِع طرق على بوابة القلعة، كانت هناك فتاة واقفة وهي بحالة يرثى لها بسبب المطر والريح، والماء يقطر من شعرها وقالت إنها أميرة حقيقية فأعـد لها في غرفة نوم الزوار سريراً صُف فوقه عدة مراتب مريحة، وتحت آخر مرتبة قريبة من الأرض، وضعت الملكة (أم الأمير) حبة بازلاء جافة. صباح اليوم التالي اشتكت الزائرة للأم الملكة من الأرق وتقلبها طوال الليل على السرير (بسبب حبة البازلاء) هنا اقتنعت الملكة والأمير برقة وحساسية الزائرة وأنها مناسبة جداً لتكون الأميرة القادمة في القصر وزوجة تليق بالأمير الذي بحث عنها طويلاً ووجدها أخيراً.

لعـل الحب يعـمي العـيون عـن مثالب الخطيبة؛ أما مسؤولية الإدارة فهي تكليف لا تشريف؛ وليس هنالك مجاملات باختيار الشخص الأمثل؛ الذي قد يجافيه النوم إذا كانت هنالك مشكلة ولو بسيطة في مؤسسته؛ وهؤلاء من زمرة الندرة! فكثيرون يعـمي عـيونهم بريق السلطة؛ وصولجان المنصب؛ فتصبح المسؤوليات والمهام هي آخر اهتمامهم؛ ودأبهم اليومي بحث عـن مؤتمر ببلد أوروبي (للتسوق والتصييف والفرجة)؛ أو صفقة يلعـقون من ورائها سمسرة مناسبة؛ أو تعـيين سكرتيرة حسناء وإعادة فرش المكتب؛ وتغـيير السيارة بأخرى أحدث وأغـلى.. ثم يتساءل أين تذهب الأرباح؛ ويستغـرب في آخر العـام لعـدم وجود مدخرات.. وينصب اهتمامه – وزمرة المطبـّلين حوله- عـلى وضع «مكياج» للأرقام… لتبدو الشركة رابحة؛ بعـد إسباغ قيم وهمية عـلى المخازين المتآكلة بالمستودعـات.

وهنا نصادف مدرستين في الإدارة؛ الأولى: تهتم أساساً بخبرات وتقانة الموظف (والمسؤول)؛ والأخرى: تعـتبر أن الخبرة تأتي بالممارسة وأثناء العـمل؛ وتفضـّل الأشخاص الذين يشعـرون بالمسؤولية وهمهم الوحيد حيال مستقبل الشركة!

دعـونا نشبـّه المؤسسة بمركب؛ إذا اتجهت نحو بر الأمان؛ استفاد كل ركابها (المستخدمين؛ وأصحاب الأسهم..)؛ أما إذا تعـثـّرت مسيرتها؛ أو غـرقت؛ فقد كل من فيها حياته!

وهذا التوجيه السليم لا يتأتـّى إلا بقبطان عـليم بتيارات المد والجزر؛ كرّس نفسه لها؛ وآلى عـلى نفسه أن يكون آخر من يغـادر السفينة الغـارقة!

أندرسن كتب حكايات بسيطة ساذجة؛ تبدو وكأنـّها للأطفال؛ ولكنها تحتوي بمضامينها (ولو بعـد مرور قرنين من الزمن) عـلى رموز عـميقة؛ يمكن أن تكون بوصلة في زمننا هذا.

وهنا ألفت النظر لكون المدير الحساس بالمسؤولية؛ سيصبح خالي الوفاض إذا لم يكن بيده صلاحيات (كما حال الكثير منهم) فينطبق عـليه القول «لا رأي لمن لا يـُطاع»! أي يجب أن تكون بيده مفاتيح «الضبط والربط» وإلا فسيموت في حسرته لتطبيق ما يروم إليه. والمدير للعـلم: ليس هو الشخص الذي يستطيع أداء العـمل أفضل من موظفيه؛ بل هو الشخص الذي يستطيع أن يوجههم لأداء المهام بأفضل مما يقوم به بنفسه!

وللعـلم: كل القباطنة يستطيعـون توجيه الشراع في حال البحر كان هادئاً؛ تبرز معـادن المدير الحقيقي بالسيطرة عـلى الوضع في سفينته وحمولتها لدى ارتفاع الموج؛ وهو ما نسميه في الأدبيات المؤسساتية عـلم «إدارة الكوارث».

والمدير هنا يجب ألا يتشدّق بخططه؛ عـوضاً عـن ذلك يجب أن يعـرض النتائج الواقعـية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن