منذ مساء البارحة وعقلي يردد من دون انقطاع مطلع الأغنية التي أطلقتها أم كلثوم عقب هزيمة حزيران 1967: «كشف النقاب عن الوجوه الغادرة/ وحقيقة الشيطان بانت سافرة». ما يغيظني في هذا الأمر هو أنني لم أسمع من الأغنية سوى المقطع الأول ولمرة واحدة فقط، فـ (استوطن) ذلك المقطع ذاكرتي وراح يكرر نفسه إلى مالا نهاية! وما يغيظني أكثر هو أن ما تقوله الأغنية هو من منسياتي، فقد رأيت النقاب ينكشف عن الوجوه الغادرة منذ أن وعيت على الدنيا، كما أدركت باكراً أننا نظلم الشيطان عندما نقارنه بأميركا التي بانت حقيقتها الجهنمية سافرة، لكل ذي عقل، منذ أمد بعيد.
قبل الشروع بكتابة هذه الكلمات شاهدت فيديو قديم لتظاهرة صهيونية في مدينة القدس أرسله لي أحد الأصدقاء كي يثبت لي، من دون حاجة لذلك، بأن الصهاينة يحتقرون من ينصاعون لهم، فرغم أن بعض السلطات العربية طبعت مع الكيان السرطان إلا أن الصهاينة في تظاهراتهم يدنسون مقدساتنا ويشتمون رموزنا ولا يستثنون حتى المطبعين معهم من شتائمهم، فهم ما يزالون يهتفون: «الموت للعرب» و«العربي ابن زنا» و«العربي الجيد هو العربي في القبر»… الخ.
صحيح أن هذا الخطاب السائد في الكيان السرطان هو خطاب عنصري بغيض، يقوم على تبخيس العرب وشيطنتهم لتبرير الاعتداء عليهم واحتلال أرضهم وسلب حقوقهم، وهو نهج ليس بجديد على الكيان السرطان، بل هو متأصل في سياسته الاستعمارية الاستيطانية قبل ولادته القيصرية عام 1948 واعتراف أميركا به بعد إحدى عشرة دقيقة من ولادته!
وقد سبق للزعماء الصهاينة المقبورين أن وصفونا، نحن العرب، بأننا «حشرات طفيلية تسير على ساقين»، «صراصير»، «وحوش»، «جنادب يجب سحقها»، «تماسيح» و«أفاعي سامة» كما يعتقدون أننا بشر يجب تصفيتهم «إلا إذا أذعنوا وعاشوا كعبيد»! حتى إسحاق رابين الذي يصنفه بعض المخدوعين بين حمائم الكيان- السرطان قال: «سنُخفّض العرب إلى جاليةٍ من الحطّابين والخدم».
وقد قام أحد وزراء حكومة الكيان السرطان مؤخراً بلطش عبارة «وحوش بشرية» من رواية «حديقة الحيوان» للروائي الإنكليزي جورج أورويل، وأطلقها على رجال المقاومة الأبطال في غزة! مالا شك فيه هو أن الصهاينة يدهم خفيفة في السرقة واللطش، فقد تمكنوا من لطش قوة عظمى بقضها وقضيضها. إلا أن أشنع شتائم التبخيس هي تلك التي صدرت عن اليهودي المغربي الخسيس أرييه درعي الذي شغل منصب وزير الداخلية في الكيان السرطان، فقد قال بالحرف: «يجب أن يزور حكام العرب بلادنا لخدمة اليهود، ولا يجدر بنا أن نستقبلهم كشركاء لنا. لن يمكن تحقيق سلام استراتيجي بين اليهود والمسلمين، والعرب هم دواب موسى ويجب علينا فقط ركوبهم للوصول إلى الوجهة النهائية، فشراء سرج جديد وعلف جيد للدابة من واجب صاحبها، ولكن يجب أن ينظر صاحبها إليها كوسيلة للركوب فحسب! مكان الدابة في الإسطبل ولا أحد يذهب بها إلى غرفة استقبال بيته!»
والحقيقة أن سكوت المطبعين العرب على هذا الأمر يعني أحد أمرين، أحلاهما مر: إما أن هؤلاء لا يعتبرون أنفسهم من العرب، أو أنهم فقدوا الشعور بهويتهم وكرامتهم!