احتفلت كلية العلوم بجامعة دمشق، بالأسبوع العربي للكيمياء وكان أقره اتحاد الكيميائيين العرب قبل عشر سنوات، على أن يقام في الأسبوع الأخير من شهر تشرين الأول من كل عام.
لم تغب جرائم الحرب الإسرائيلية على غزة عن الاحتفالية: تراءت لنا أدخنة عشرة آلاف قنبلة وصاروخ (أي ما يعادل قنبلتين نوويتين) كمناشير عملاقة تمزق البشر والحجر، تصوغ أنهار دم وتصعد نحو طبقة الأوزون، وترجع بكوكبنا خطوات إلى الوراء، نحو مزيد من الاحترار الحراري، والدفئة وارتفاع حرارة الأرض بدلاً من انخفاضها.
لكن المحتفلين في قسم الكيمياء بجامعة دمشق، يريدون للكيمياء مثلما هي في العلم: حياة ونعمة وليست نقمة، عندما يجعلونها صديقة للبيئة.
تذكرت حواراً مع المهندسة الاستشارية إيمان الحلاق، عضو لجنة البيئة في نقابة المهندسين فرع دمشق، كانت تتدفق بمعلومات قيمة كنبع عذب غزير، تتحدث عن _التدوير _ كضرورة وطنية وبيئية واقتصادية، بحب وطني غامر.
حدثتني عن شاب هندي اشترى أعقاب سجائر مقاهي ومطاعم نيودلهي، حشا بفلاترها بعد تنظيفها، مخدات وألعاباً، ونجح في تحويل ما تبقى لديه من تلك الأعقاب وبعض تبغها، إلى سماد عضوي فأصبح مليونيراً.
وبدلاً من حرق عجلات المركبات- الدواليب، حولها مهندسو شركة المطاط الحكومية السورية إلى حبيبات تستخدم في عدة صناعات بلاستيكية ضرورية، منتصرين على الافتقار للقطع الأجنبي لاستيراد تلك الحبيبات.
كان شبان وشابات من جامعتي دمشق والبعث، يحضرون للمسابقة العلمية، التي أضفت حيوية كبيرة على الاحتفالية، في حين صعد إلى المنصة د. مروان عامر مدير التطوير والبحث العلمي، في شركة مصفاة دمشق للبتروكيماويات، وهي شركة خاصة، وقدم محاضرة ملفتة عن تدوير الزيوت المعدنية فيها. ولقد أوضح أنها تؤمن 30 بالمئة من احتياجات سورية من الزيوت المعدنية، علماً أن سورية تحتاج كل سنة إلى 150 ألف طن من تلك الزيوت.
لا يقتصر الربح من التدوير على توفير ملايين الدولارات، فالزيوت التي تنتهي صلاحيتها في المركبات تصبح سامة جداً، فإذا ما رميت في العراء أو مجاري الماء أو في البحار لوثت الطبيعة.
إن غالوناً واحداً من الزيوت المعدنية المستعملة، يلوث مليون متر مربع من الأراضي التي يحتاج استصلاحها إلى أربع سنوات..!
إن 40 بالمئة من الملوثات في العالم ناتجة عن الملوثات النفطية ومن بين الـ500 مليون طن من الملوثات التي ترمى في البحر الأبيض المتوسط سنوياً، هناك120ألف طن زيوت معدنية مستعملة!!
وإعادة استخدام الزيوت المعدنية بعد تدويرها إجراء شائع في العالم، ويؤكد المحاضر أنها تخرج أفضل من الجديدة.
إن 85 بالمئة من الزيوت المستخدمة في أميركا هي زيوت مستعملة وجرى تدويرها.
وفي الذاكرة عن التدوير أن ما يعرف بالمتروكات، وبدلا من أن تتحول إلى جبل من النفايات الصلبة، يمكن استخدامها في توليد طاقة حرارية ضخمة، تحتاج إليها مصانع الإسمنت في أفرانها العملاقة بدلاً من مادة الفيول النفطية غالية الثمن الآن والمستوردة.
والمشروع مطروح على مصنع اسمنت طرطوس منذ سنوات، والتلكؤ في عدم تنفيذه مبهم الأسباب، علماً أن نفايات طرطوس تضاعفت بسبب تداعيات الحرب الجائرة على سورية ونزوح مليون سوري إليها، ما ضاعف المتروكات في نفاياتها بعد فرزها واستخلاص ما يصلح لمصانع الزجاج والحديد واللدائن ثم السماد العضوي منها، بعد إخفاق مشروع ترحيل تلك المتروكات إلى البادية السورية.
إن ما أشرنا إليه هو غيض من فيض تلك الاحتفالية، فإذا ما ترسخ في الذهن أن التدوير مفيد مالياً وبيئياً، نكون قد أدينا دوراً يخدم الناس والوطن.