كيف تحول نبش القمامة من علامة فقر إلى تجارة؟! … 52 طناً من الكرتون تمت مصادرتها من النباشين وتسليمها لمعالجة النفايات
| محمود الصالح
هي أكثر من أشياء مدورة جُمعت من النفايات، وربما هي أبعد من منظومة عمل يومية أعتادها ممتهنوها وهم بحالة ازدياد، ورغم أنها غير قانونية لكنها تمارس في وضح النهار، وقد يكون برضا غير مباشر من المكلفين بمنعها، لتتحول إلى تجارة وصناعة، وتتحول النباشة إلى أسطول من الأطفال والبالغين ممن يقومون بعمليات فرز وبيع وتصنيع الكرتون والورق والبلاستيك من النفايات.
وتحولت إلى مهنة أساسية دفعت القائمين عليها للمنافسة على الحاويات وسيارات القمامة، حيث نجد أن النباش الأول هو عامل النظافة في سيارة نقل القمامة حيث اعتلى ظهر تلك السيارات عمال علقوا على جوانبها (شلول) من النايلون خصص كل منها لمادة معينة (بلاستيك- كرتون – زجاج – حديد) وجميع من يعملون على سيارة نقل القمامة شركاء في قيمة ما يحققونه من إيراد يومي نتيجة بيع تلك المواد لتجار مختصين بذلك.
عضو مجلس الشعب محمود بلال رأى أن تفشي ظاهرة فرز القمامة في الشوارع من أشخاص دون رقابة ظاهرة لافتة للنظر وجديرة بالوقوف عندها ودراسة سبل معالجتها لما لها من آثار سلبية اجتماعية واقتصادية وصحية ألا وهي ظاهرة ووجود أفواج من العاملين في فرز القمامة في الشوارع وكل منهم مختص بمادة من مواد هذه القمامة حقيقة ظاهرة منفرة ومقززة وغير حضارية.
وفي حديثه لـ«الوطن» أشار إلى أن البلديات هي المسؤولة عن النظافة وتتقاضى أجوراً على ذلك. وبالتالي فإن المسؤولية المباشرة على مجالس المدن والبلدان دون سواهم وتقاعسهم عن أداء دورهم يلحق ضرراً كبيراً بخزينة الدولة من جهة وضرراً صحياً واجتماعياً من جهة أخرى. فالضرر المالي يلحق الخزينة نتيجة ذهاب قيمة المواد المفروزة إلى جيوب العاملين بالفرز والتجار الذين يشترون هذه المواد بعد فرزها وهي ليست قليلة وهي تعادل ملايين الليرات يومياً على المستوى المحلي أي تصل إلى المليارات على مستوى القطر فالمواد المفروزة غالبا ما تكون مواد بلاستيكية يعاد طحنها وإعادة تصنيعها لكل أنواع الاستخدامات وكذلك الكرتون.
ورأى أن هذه المواد لو وصلت إلى المكبات بشكل سليم وتم فرزها وبيعها من الوحدة الإدارية مباشرة أو عن طريق المزادات لكان وارد هذه الوحدات مبالغ لا يستهان بها.
ولفت إلى أن هناك ضرراً اجتماعياً فأغلب نفايات القمامة مواد متخمرة بروائح كريهة وعند فتح كيس القمامة تصدر روائح كريهة وإلى مسافات كبيرة سواء من مركز التجميع أمام المنازل أم عند مراكز تجميع أكياس القمامة في كثير من الأماكن لعدم وجود حاويات عدا أن فتح هذه الأكياس من العاملين بفرز القمامة وترك الأكياس مفتوحة يجعل محتويات الأكياس تتبعثر في الشوارع بغياب عمال النظافة حيث تجد الشوارع ملأى بالقمامة وبمناظر مؤذية ومقززة.
وأكد أن هذه الظاهرة تحتاج إلى معالجة وهي لا تحتاج إلى تشريعات بل تحتاج إلى تفعيل دور المجالس المحلية ومجالس المدن والمحافظات وتفعيل دور الدوائر الصحية ودوائر النظافة في البلديات للوصول إلى نتائج أفضل.
إجراءات
مدير النظافة في محافظة دمشق عماد العلي قال عن الإجراءات حيال عمال سيارات النظافة الذين يقومون بالفرز في السيارة: القاعدة العامة هي منع عمال النظافة من النبش بالحاويات لما في ذلك من أضرار صحية ويتم فرض العقوبة المناسبة بحق من يضبط وهو يقوم بهذا العمل وصولاً إلى إلغاء تكليفه بالعمل على السيارة وتكليفه عوضاً عن ذلك بأعمال أخرى.
وعن الإجراءات بخصوص تجارة الكرتون والبلاستيك الناجم عن القمامة قال العلي: تقوم مديرية النظافة بحملات لمكافحة ظاهرة النبش في المدينة من خلال مصادرة الأدوات والمواد التي تم جمعها من خلال النبش وحجز الآليات التي تقوم بهذه الأعمال ولا يتم فك احتباسها إلا بموافقة المحافظ على ذلك.
وعما إذا كان قيام عمال النظافة بعمليات الفرز ناجماً عن الحاجة أم هي تجارة رائجة؟ أجاب مدير النظافة: يحصل عامل النظافة على طبيعة عمل ما بين 80 إلى 100 بالمئة إضافة إلى حوافز إنتاجية مجزية وتقديم العلاج المجاني واللباس والقفازات والوجبة الغذائية، ورغم ذلك يلجأ قلة من العاملين إلى الاستفادة من المواد التي يقومون بجمعها لتحسين وضعهم المعيشي تزامناً مع منعهم عن هذه الأعمال.
وعن كميات الكرتون والبلاستيك المصادرة قال مدير النظافة: بلغت كمية المواد القابلة للتدوير والتي تتم مصادرتها من النباشين ما يقارب 52 طناً ويتم تسليمها إلى مديرية معالجة النفايات الصلبة في الجارونية أصولاً.
وعن الإجراءات الرادعة للمؤسسات الصحية التي تضع النفايات الصحية على أنها نفايات مطبخية بهدف تقليل الرسوم قال العلي: خلط النفايات الطبية مع النفايات المطبخية معاقب عليه وفق القانون بمبلغ خمسين ألف ليرة سورية كما أنه يوجد اقتراح من محافظة دمشق لوزارة الإدارة المحلية والبيئة والتي تقوم بدراسة تعديل قانون النظافة من أجل رفع قيمة جميع مخالفات قانون النظافة ومنها قيمة مخالفة خلط النفايات الطبية بأضعاف مضاعفة لردع أي مخالف بالإضافة إلى توجيه الإنذار اللازم للمنشأة الطبية في حال التكرار.
وعن رؤية مديرية النظافة لمعالجة الموضوع جذرياً قال العلي: يجب إنشاء محطات فرز مركزية سواء أكانت قطاعاً عاماً أم قطاعاً خاصاً وإيجاد فرص عمل لمن يقوم بأعمال النبش للعمل ضمن هذه المحطات، وتعديل قانون النظافة بحيث تصبح العقوبات أكثر ردعاً بحق من يقومون بهذا العمل ومشغليهم، أو ترخيص لشركات التنظيف المؤهلة وبموجب عقود تبرم مع الوحدة الإدارية تسمح لهم بجمع النفايات من المنازل أو الفعاليات التجارية بشكل مباشر بحيث يتم وضع النفايات المطبخية بأكياس محكمة الإغلاق والنفايات الجافة والقابلة للتدوير بأكياس أخرى وجمعها من المنازل مباشرة وترحيلها إلى مواقع الجمع النهائي أو المعالجة بآليات خاصة بهذا، ما يلغي ويخفف من ظاهرة النبش.
مواد مسرطنة
المختص بسلامة الغذاء الطبيب ماهر ريا قال: تحتوي المنتجات البلاستيكية والكرتون وغيرها مما هو موجود في القمامة على الأحبار وهي مادة كيميائية مسرطنة، كما أن النبش في القمامة يعرض القائمين بذلك إلى أذيات في الأيدي، بسبب وجود المواد الحادة، إضافة إلى وجود مختلف أنواع الجراثيم في القمامة، وعند تصنيع تلك المواد المعاد تدويرها في درجات حرارة عالية تنتج غازات يستنشقها العمال ما يعرضهم للإصابة بسرطان الرئة والربو القصبي والتهاب الأنف وتليف رئة وتحسس العين وجروح بالأرجل والأيدي.
وأضاف ريا: إنه يوجد قرار تموين بمنع استعمال الورق الأسمر والصحون الكرتونية إذا لم يتم تغليفها بطبقة ورق أبيض غير معاد التصنيع، لكن للأسف هذا القرار لا يطبق، والجهات المعنية بتطبيقه هي مديريات حماية المستهلك ومديريات الشؤون الصحية في المحافظات، حيث يتم استخدام صحون الكرتون في بيع البيتزا والنابلسية والمدلوقة وغيرها، ويوجد قرار صحي وتمويني يمنع استعمال البلاستيك الملون بأي لون. يجب أن يكون أبيض وخاصة كاسات البوظة والشلمون وصحون الضيافة يجب أن تنتج من مواد خام غير مدورة. وبين ريا أنه يمكن إنتاج الأحذية البلاستيكية والكراسي وغيرها من المواد التي لا علاقة لها بالغذاء من المواد المعاد تدويرها.
موجودة في كل دول العالم
أمين سر غرفة صناعة دمشق أيمن مولوي قال: إن عملية تدوير النفايات موجودة في كل دول العالم، ولها أهمية اقتصادية وبيئية تتمثل في الاستفادة من هذه النفايات وإعادة استخدامها وفق اشتراطات محددة بحيث لا يتم استخدامها في منتجات الغذاء أو سلع لها ضرر على الصحة كألعاب الأطفال البلاستيكية، ويمكن أن يتم من خلال هذه المواد البلاستيكية أو الكرتونية المعاد تدويرها إنتاج أكياس القمامة أو مواد لا تؤثر على الصحة العامة، ومن جانب آخر فإن عملية إعادة تدويرها يحافظ على البيئة لأن إعادة دفنها في التربة أو رميها في الهواء يؤثر في البيئة، ولا يمكن للأرض التخلص من آثارها لسنوات طويلة، وتكون ضارة على الأرض وعلى حياة الناس.
ننشر ثقافة فرز النفايات
أمين سر جمعية حقوق الطفل هانية بارودي قالت: بلا شك جمعيه حقوق الطفل تعمل على حمايه الطفل من كل أشكال سوء الاستغلال ومن بينها عمالة الأطفال وخاصة إذا كانت ظروف العمل غير صحية وغير آمنة كعملهم في نبش حاويات النفايات لفرز النفايات الكرتونية عن البلاستيكية والمعدنية من أجل بيعها لمعامل إعادة التصنيع نحن نعمل من خلال مشروع تدوير الورق على نشر ثقافة فرز النفايات وتخصيص مستوعبات خاصة لذلك والعمل على تفريغها بشكل دوري وبالتالي يمكن للمصانع الحصول على المواد الأولية بشكل أكثر سهولة وتجنيب الأطفال من مخاطر كهذه.