ثقافة وفن

«الغنمة» عرض مسرحي كوميدي ساخر … طيار لـ«الوطن»: العمل يسلط الضوء على حالة تسلط الموظفين على المواطنين والفجوة بينهما

| مصعب أيوب

لعل متعة المسرح السرية والخالدة في ظل ثورة التكنولوجيا والمعلومات تكمن في مقدرته على أن يمس وجدان الشعوب ويقترب من بساطتهم وبأن يحقق أثراً فكرياً يبقى عميقاً في الوجدان ، فيقع على عاتقه العديد من المهام الجسيمة، وعليه فقد أخذت على عاتقها وزارة الثقافة ممثلة بالمديرية العامة للمسارح والموسيقا «المسرح القومي» مهمة الحفاظ على هذا الفن الرائد ومعالجة القضايا الراهنة بطريقة النقد البناء، مؤخراً يتم التحضير لإطلاق العرض المسرحي «الغنمة» المأخوذ عن نص بلغاري للكاتب «ستانيسلاف ستراتييف» أحد أبرز كتاب الكوميديا الساخرة في بلغاريا وأوروبا بعنوان «سترة من المخملين» وهو من إعداد وإخراج زين طيار.

«الوطن» زارت كواليس التحضير وبروفات العرض وأعدت لكم المادة الآتية:

ناقد للسلوكيات

في تصريح لـ«الوطن» بين الفنان حسام الشاه أنه يؤدي شخصية المعلّق في العرض وهو الذي أمضى عدة شهور في المصعد الكهربائي المعطل لإحدى الدوائر الحكومية ولكنه بمرور الوقت أصبح رجلاً حكيماً وذا خبرة في طريقة التعامل مع الموظفين وإعطاء النصائح.

وقال الشاه «هو فعلاً معلق بين اليمين واليسار والسماء والأرض، ولعل حاله تشبه حال الكثير من السوريين في ظروفهم المعاكسة لرغباتهم وعدم قدرتهم على اتخاذ القرار وحاجتهم الماسة لصناعة أبسط مقومات الحلم ومع ذلك الظروف شبه مستحيلة».

وقد لفت إلى أن النص تمت معالجته بطريقة كوميدية وفيه شيء من السخرية لكي لا يكون وقعها قاسياً أو مبالغاً به، راجياً أن يكون العرض مادة فنية لطيفة يحبها الناس وتكون قريبة منهم وتعبر عنهم لأن المسرح إن لم يكن من الجمهور وله فإنه سيفقد بريقه.

وأشار الشاه إلى أن النص ناقد لمجموعة من السلوكيات تنتهجها طبيعة المؤسسات وطبيعة الدوائر الحكومية بكل مفاصلها، وهو ما يمكن أن يعيشه الجميع لمجرد القيام بأبسط معاملة رسمية بسبب سوء إداري أو تنظيمي، وهو يأخذنا إلى قراءات أبعد من مشاكل المؤسسات والمديريات ليطرح علينا سؤالاً؛ أين هو الإنسان في النهاية؟ وما نعيشه في المؤسسات الرسمية ألا يأخذنا إلى تكريس مفهوم القطيع؟

كما شدد على أن المسرح إن لم يقدم شيئاً يعني شريحة كبيرة وواسعة من الجمهور فإنه غير مفيد، وأن النص الذي يُعمل فيه اليوم مشابه جداً لواقع ما نعيشه على الرغم من أنه كتب منذ أكثر من أربعة عقود، لينوه بأن المسرح ذو لغة عالمية وهو عالم مفتوح أبعد من كل الحدود، وقد نوه بأن ما يمكن أن يجنيه الكاتب الذي يؤلف نصاً مسرحياً للعرض أول مرة هو شيء بسيط جداً، وفي الختام ركز الشاه على أنه يخوض اليوم مغامرة برفقة فريق العمل لإنجاح هذا العرض ولاسيما أنه كان سابقاً يقدم عرضاً أو اثنين على حين أنه لم يشارك في عروض مسرحية منذ نحو ثمانية أعوام.

حاجة تنفيسية

مخرج العمل زين طيار تحدث لـ«الوطن» بأن العمل المقدم اليوم هو عن نص بلغاري بعنوان «سترة من المخملين» تمت معالجته وإعداده بطريقة احترافية وهو يتمحور حول أستاذ جامعي يشتري سترة من المخملين ويقع ضحية السخرية من بعض الأصدقاء ويلجأ إلى قص وجزّ ذاك الصوف بأي طريقة قاصداً إحدى المناطق الريفية وتسجل على أنها «غنمة»، ويترتب عليه الكثير من الضرائب ليعيش حالة من الصراع والإضراب في رحلة إثبات أنها سترة وليست شاة ويجد نفسه تائهاً في المؤسسات الحكومية في صراع مع البيروقراطية.

وأشار طيار إلى أن النص كوميدي تم العمل عليه ليلائم واقعنا وحياتنا ومؤسساتنا الحكومية كما يسلط الضوء على حالة تسلط الموظفين على المواطنين وحالة الفجوة بين المواطن والموظف وحالة الصراع لدى الإنسان في دفاعه عن إنسانيته والتخلص من حالة الحيونة والبهيمية فتمت معالجته ليقترب منا ويجسد معاناتنا ومن جمهورنا.

كما أكد أن العمل تم عرضه في حمص عام ٢٠٢١ للمسرح القومي إضافة إلى تقديمه أيضاً في حماة مشيراً إلى وجود حرية فكرية للمسرح والمسرحيين لأنها تشبع الحاجة التنفيسية في ظل الضائقة الاقتصادية التي تعيشها المنطقة وهذا لم يعد شيئاً مخفياً بل واضح وجلي للجميع.

امرأة بسيطة

الفنانة تماضر غانم بينت لـ«الوطن» أن العرض ينتمي للمسرح الشعبي البسيط غير المعقد وهي تحكي واقع الحال من فساد ورشاوى وما إلى ذلك في المؤسسات الحكومية البلغارية لنجد أنها تصلح لأي زمان ومكان وليس فقط بلغارياً عارضاً صورة أحد الأشخاص النبلاء المتمسكين بقيمهم ومبادئهم في عراكهم ضد تسلط أصحاب النفوذ والقرار، وأوضحت أنها تؤدي دور عاملة التنظيفات في العمل وهي تنتمي إلى شريحة واسعة من المجتمع ببساطتها وطبيعة علاقاتها مع زملاء العمل بتعدد انتماءاتهم وأطيافهم وأعراقهم واختلاف مهامهم.

وقد أكدت غانم أن المسرح القومي كان ولا يزال مواظباً على دعم المسرح والعروض المسرحية، وحتى في أيام الحرب لم تتوقف العروض المسرحية وكانت المقاعد تعج بالحضور وهو ما يشير إلى قوة الذائقة الفنية لدى الجمهور وشغفه بعبق المسرح وعبيره.

صراع ضد البيروقراطية

الممثل الشاب خالد نجار أوضح أن شخصيته في العمل «إيفان» الدكتور الجامعي متمسك بالمبادئ والقيم الحميدة يكون ضحية للبيروقراطية بعد شرائه سترةً وبرها طويل وبحاجة إلى جزّ ويذهب إلى إحدى القرى حيث يجزّون صوف الأغنام، ويقوم بإقناع العامل بذلك وتسجل واقعته في السجلات الرسمية على أنه يمتلك غنمة، وهنا تبدأ المشكلة والمعاناة في الدوائر الحكومية في قضية تسجيلها ودفع الضرائب عنها بعد أن تسجل في سجلات الحكومة على أنها «غنمة» وهو أساساً لا يملكها ليجد نفسه ضائعاً بين المكاتب والسجلات والشعارات الرنانة فيكون رافضاً لمبدأ القطيع أو السير في هذا الركب.

وركز نجار على أن النص يلامس إلى حد كبير واقعنا ومأساتنا ومعاناتنا اليومية على الرغم من أنه ليس لكاتب سوري أو عربي، مبيناً أن الفن والإبداع ليس لهما حدود، والنص فيه إسقاطات كثيرة على حياتنا اليومية، ومن المهام المطلوبة من المسرح هو معالجة وتسليط الضوء على القضايا التي تهم شريحة كبيرة من الجمهور إضافة إلى ضرورة وجود بعض الترفيه بحياتنا في ظل الأوضاع العصيبة.

يذكر أن العمل سينطلق عرضه يوم الأربعاء في الثامن من الشهر الجاري عند الساعة السادسة على خشبة مسرح الحمراء بدمشق.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن