الحوار الذي جرى بين شكري القوتلي وجمال عبد الناصر بُعيد توقيع اتفاقية الوحدة معروف لدى الكثيرين، فقد ورد في مذكرات السياسيين أن شكري القوتلي قال لعبد الناصر هذا شعب نصفه من السياسيين وربعه من القادة.. وسأله عبد الناصر والربع الأخير ممن؟ قال له القوتلي هذا قسم خاص كل منهم يظن نفسه من الأنبياء والرسل.
الشاهد هنا كيف انتقل الشعب السوري من حالة الاهتمام بالسياسة إلى مرحلة «ما دخلنا بالسياسة»!!
حتى ينتقل شعب من حالة الاهتمام بالشأن العام إلى حصر اهتمامه بالشأن الخاص تكون قد مرت عليه تغيرات كثيرة استدعت ذلك وأدت إلى شكل من أشكال الانقلاب على نفسه.
والشأن العام ليس سياسة فحسب بل هو كل ما له علاقة بالفكر والأخلاق والقيم والمصالح العامة.. باختصار الشأن العام هو الانخراط بحالة المجتمع وعدم الاكتفاء بالشؤون الخاصة.
وإن لاحظتم فإن اهتماماتنا العامة غالباً ما تأخذ شكلاً موسمياً عند سخونة الأحداث ثم نبدأ بالتلاشي والعودة إلى عدم المبالاة.
وخلال السنوات الأخيرة بدأ الناس يتحدثون بشكل واضح جداً عن «الخلاص الفردي» وهي حالة تشهد على الانسحاب الكلي من المسؤولية عن قضايا عامة. حتى عندما يكون الموضوع إنسانياً، فإنه من المخجل الحال الذي وصلنا إليه، فمؤخراً في حادثة مقتل الشاب في شارع بغداد فقد ترك على الأرض فترة من الزمن من دون أن يتدخل أحد من الجوار أو من المارة كما ورد ذلك على لسان أهله.
لاشك أن صاحب العقل يدرك أنه لا يوجد شأن خاص جيد إلا إن كانت الحالة العامة في أحسن أحوالها.. وفوق ذلك أصبح الناس أكثر إدراكاً لترابط الشؤون الخاصة مع العامة.
وفي هذا فإن الرأسمالية قامت على فكرة أنّ تحسّن حال الفرد سيؤدي حتماً إلى تحسّن حال المجتمع.. على حين رأت الماركسية أن تحسن العام يؤدي إلى تحسن الخاص، لكن في كلتا الحالتين يدرك المفكرون أن الترابط قائم بشدة بين حالة الأفراد وحالة المجتمع.
والآن ثمة عولمة للشأن العام.. فإن حرب أوكرانيا أدت فيما أدت إليها ارتفاع وجبة الطعام في منزلك.. والاختلال الحراري الذي تسببت فيه دول عظمى أدى إلى تغير فصول السنة في قريتك.
قصة مثيرة للحيرة وهي أن وسائل التواصل الاجتماعي أتاحت لكل من هب ودب أن يتحدث بالشأن العام، فيما انكفأ أصحاب الاهتمام بالشأن العام ذوو الخبرة بسبب عدم رغبتهم في المشاركة بالسوق الرخيص ما أدى بشكل أو بآخر إلى «تسخيف» أي فكرة تهتم بالشأن العام وهذا يحتاج إلى تفصيل كثير.. لكن أسوأ ما في الموضوع أن أصحاب الشأن العام والمسؤولين وضعوا جل اهتمامهم بشؤونهم الخاصة، حيث كان اهتمامهم العام مجرد غطاء لتحقيق مصالحهم الشخصية.
هل يوجد حل؟
بالتأكيد من المفيد تنشيط الحوارات في الشؤون العامة من خلال ندوات سياسية وفكرية وبمشاركة عامة وفتح أبواب الحوار حول الكثير من القضايا وخاصة تلك التي تحتاج إلى فهم مجتمعي عام.
أقوال:
– لكي يحققوا الهيمنة والسلطة السياسية؛ جعلوا بدورهم مصالحهم الخاصة كأنها المصلحة العامة.
– لن أضحي بالحقيقة من أجل المصلحة.