إن الشيء المميز والمثالي يفرض نفسه علينا، وكيف الحال إذا كان ما نودّ التحدث عنه، هو الشيء الأدبيّ المميز، ذلك الشيء، الذي يبدو نبضه متوهجاً، ويبدو الحديث متألقاً، إذا ما أردنا التحدث عن النموذجية العليا في الأدب، أو ما يشكلّ فعلياً الأمثولة الثقافيّة، هذه الأمثولة، يجب أن تراعي حق المراعاة موضوع التزام التميز الأدبيّ، ومن ثمّ، إيجاد شواهد مقتضاه الإبداعيّ، شواهد يجب أن تكون خيرة العطاء الثقافيّ، وخيرة الوجود بين مستجدات الثقافة وعلومها المعرفيّة، وبين تراثيات تاريخها الأدبيّ، يجب أن يكون لكلّ منا أمثولة ثقافية، يُحتذى بها، ومثال خلاّق للإبداع في الفكر والمعرفة.
وإن لم يحدث ذلك، فقد تحدث فجوة ما في آلية التعرف إلى التجارب الأدبيّة السابقة، ومن ثمّ، يجعلنا هذا لا نستقرئ الأدب في شكلّه الأصوب والصحيح، لا نستقرئ معالمه وعناوينه، في تجليات ماضيه وحاضره.
هذه التجلّيات التي تُجتبى من «نور الأمثولة الأدبيّة» التي يجب أن تكون حاضرة في أذهاننا، كما يجب أن تسمو تجليات الإبداع التابعة لفعل المضارع، وهكذا نتمنى أن تكون في حقيقة الأمر.
نتمنى أن يسمو الفعل الإبداعيّ ولا يتوقف عند حد، وكذلك لا تتوقف لدينا عملية الاستلهام من الآخرين، الذين يستحقون أن تتجسد بهم صورة الأمثولة الثقافيّة، صورة تقول: هناك فيض ثقافي، يجب أن نستلهم منه.. ومن هذا الفيض المعرفي، وأن نهتم نحن بفنّ الاستفاضة الثقافيّة؛ بعيداً عمّا هو موجود في الأصل.
فن استلهم ما هو جوهري، وإجراء تحديثات على ما نمتلك من ثقافة، ومحاولة التمحور حولها، حول بنيانها وبنيتها، حول حالة التجدّد الثقافيّ، الذي يجب أن نعيش، مع الأخذ بالحسبان الرجوع إلى الماضي الأدبيّ والإبداعيّ التليد.
يجب الرجوع إلى حيث يجب الرجوع، واستلهام صور الأدب الماضي الجميل والإبداع المضيء، هذه الصور يجب أن تكون خالدة في أذهاننا؛ حيث ينبغي لها الحضور المؤتلق، ذلك الحضور المميز، الذي ينفض غبار السنين عن هذه الصفحات الأدبيّة، حدّ إشراق النفس بما هو مشرق وغني، حدّ مثولها كتاريخٍ أدبي عصيّ على النسيان، عصيّ على الضياع، وتبعثر أوراقه الثقافيّة، التي يجب اعتمادها من البدء؛ إذ يجب التمحور حول ناصيات وجودها الحاصل منذ أقدم الأزمنة. يجب التمحور حول هذه الأمثولة أو تلك، حول آلية التجذّر الثقافيّ الممتد عبر ضوئية السنين السابقة واللاحقة إلى يومنا هذا.
هذه الأمثولة يُحبّذ أن تعتمد مبدأ التميز ومنهجه كحالة ثقافية معرفية، يجب البحث والتقصي عنها، وعن جوهرها وحتمية الالتفات إليها، وإلى ما تشكلّه من إغناء حقيقي لحاضر الثقافة، وانبعاث مقومات تجدّدها بشكلّ دائم، مع الاحتفاظ الأكيد بانتهاج الشيء الجميل، الذي مرّ عليه، ولم يُلغِ بريقه، لم يمحُ أي شيء من ثقافته، ومن أفكاره الواعية التجدد، الواعية الانتماء إلى هذا المصطلح الأمثولي أو ذاك.
كلّ هذا الذي أسلفناه، يؤكّد ضرورة الانتقاء الثقافيّ، ضرورة البحث عن شيءٍ ما زال يمثّل لنا ذلك النموذج الرفيع الشأن على الصعيد الفكري والثقافيّ.
هذا النموذج الراقي الاتّجاهات الأكيدة، إن أردنا الإلمام به بالشكلّ الفعلي المطلوب، إن أردنا الاقتراب من شاطئيه، وسبر أغوار بحره المتلاطم معرفياً، وأشياء تبتدع خلاصة المقتضى الثقافيّ المتواتر علينا؛ سيُصبح لهذه الأشياء الثقافيّة الوافدة علينا، شكلّ الأمثولة الثقافيّة الجادّة فعلياً.