قضايا وآراء

هل يشهد الشارع الأميركي مكارثية جديدة؟

| دينا دخل الله

على الرغم من أن هذه ليست المرة الأولى التي يعتدي فيها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، إلا أنه في هذه المرة كان تفاعل الشارع الأميركي أقوى من المرات السابقة، وهذا التفاعل القوي أدى إلى انقسام كبير بين مؤيد للحرب ومعارض لها، وربما تكون هذه سابقة يعيشها الشارع الأميركي أن تخرج أصوات كثيرة تدافع عن السلام في فلسطين وتحمل المسؤولية لإسرائيل، ولعل الفضل في هذا يعود إلى وسائل التواصل الاجتماعي التي ساعدت في توثيق ما يجري على الأرض من دون الرجوع إلى الإعلام التقليدي المسيّس.

هذه التغييرات ساعدت على إظهار مشكلة كبيرة تخص مسألة حرية التعبير، إذ أثارت قضية غزة نشاطاً واسعاً عبر منصات التواصل الاجتماعي ما أدى إلى سلسلة من عمليات الفصل الجائر من العمل أو فرض إجراءات صارمة من أصحاب الأعمال القلقين من آراء موظفيهم فيما يخص الصراع الدائر في غزة.

نقلت الصحف الأميركية مؤخراً تعرض عدد كبير من الموظفين للطرد بسبب نشرهم آراءهم السياسية، فمثلاً تم طرد رئيس تحرير مجلة «أرت فورم» ديفيد فيلاسكو بعد نشره رسالة مفتوحة على موقع المجلة تدعو إلى وقف إطلاق النار وتقترح أن إسرائيل مسؤولة عن بداية الإبادة الجماعية، كما تم طرد مايكل آيسن من منصب رئيس تحرير مجلة «اي ليف» بعد نشره لتغريدة تنتقد إسرائيل، أما مها دخيل فقد أقيلت من منصبها كمديرة تنفيذية لشركة مواهب في هوليوود بعد نشرها قصة على موقع الانستغرام تشير ضمناً إلى أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية، إضافة إلى الكثير من طلاب القانون الذين تم إلغاء أعمالهم بعد انتقادهم العلني للإجراءات الإسرائيلية.

وبعد طرد فيلاسكو من «آرت فورم» استقال العديد من كبار المحررين وأصر المساهمون على مقاطعة المجلة، وقال المصور الشهير نان غولدين لصحيفة «نيويورك تايمز»: «لم أعش مثل هذه الفترة المروعة من قبل».

هذه الحالة التي يمر بها المجتمع الأميركي أعادت إلى الأذهان عام 1950 عندما أعلن عضو مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية وينكسون جوزيف مكارثي أن لديه قائمة تضم 205 موظفين يعملون في وزارة الخارجية الأميركية ويشتبه في أنهم شيوعيون، ما أدى إلى انطلاق حملة مطاردة شاملة وغير مسبوقة في القرن العشرين أدت إلى اعتقال آلاف الشيوعيين أو الذين يشتبه في أن لديهم توجهات شيوعية، وجرى تقديمهم إلى القضاء بتهمة محاولة الإطاحة بالحكم بالقوة أو العنف دون وجود أدلة على ما أطلق عليه فيما بعد بـ«المكارثية».

هذا ما دفع الكثير من المراقبين والمحللين اليوم كي يطرحوا أسئلة حول مستقبل حرية التعبير عن الرأي في المجتمع الأميركي والذي يعتبر من أقدس الحقوق التي منحها الدستور الأميركي للشعب، وقالت أستاذة القانون في جامعة شيكاغو جينيفيف لاكير التي تركز أبحاثها على المعنى المتغير لحرية التعبير في الولايات المتحدة إن «الأمر اليوم يبدو وكأنه المكارثية الجديدة».

وتضيف لاكير: «إن ما يحدث في الجامعات مثلاً من مطالبات لملاحقة الطلاب الناشطين واتهامهم بدعم «الإرهاب» إضافة إلى فصل الموظفين من العمل بسبب التعبير عن الرأي هو قمع للكلام لم نره من قبل».

وتقول الأستاذة لاكير: إن «الأشخاص الذين يدافعون عن هذه القيود يقولون إن هذا التصرف له ما يبرره لأن نوع الخطاب المطروح هنا هو خطاب الكراهية وهو خطاب يدعو للعنف، لكن السبب الذي يجعلني أقول إن الأمر يبدو كأنه مكارثية ثانية هو أنه في كثير من الأحيان يكون هذا غير صحيح، لم تكن رسالة آرت فورم مثلاً التي أدت إلى إقالة فيلاسكو تشجع على العنف، بل كانت تدعو إلى وقف إطلاق النار وتنتقد إسرائيل وقالت إننا نشهد إبادة جماعية».

حتى الآن، يبدو أن معظم عمليات الفصل من العمل كانت بسبب التعبير عن آراء مؤيدة للفلسطينيين، حيث أفادت منظمة «مناصرة فلسطين القانونية» ومقرها الولايات المتحدة أنها استجابت لأكثر من 260 حالة تم فيها استهداف وظائف وأعمال تابعة لأشخاص متعاطفين مع الفلسطينيين.

بعد أحداث 11 أيلول 2001، على سبيل المثال، جلبت الحرب على الإرهاب معها اختبارات جديدة بشأن نوع الخطاب الذي يروج للإرهاب، وفي الآونة الأخيرة، أثارت المناقشات حول «ثقافة الإلغاء» في الجامعات وأماكن العمل، أسئلة مماثلة حول ما التعبير المسموح به ومتى تكون العواقب مبررة؟

على الرغم من وجود محاولات لقمع الرأي في المجتمع الأميركي إلا أن جيل الألفية الجديدة يبدو غير آبه بذلك، فكل يوم تشهد المدن الأميركية تظاهرات كبيرة تندد بالتأييد الأميركي لإسرائيل وتطالب بالحرية لفلسطين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن