في كل عدوان شنته قوات الاحتلال الإسرائيلي على فصائل المقاومة سواء في الضفة الغربية أم قطاع غزة، سرعان ما تعلن هدفاً عريضاً لأي اعتداء تقوم به، ودائماً ما كان القضاء وإنهاء المقاومة في مقدمة تلك الأهداف، لتنتهي في كل مرة أهداف الاحتلال إلى إخفاق ذريع، وتخلص إلى سلة شبه خالية الوفاض.
اليوم وبعد تجاوز عدوانها على قطاع غزة الشهر، يقف الاحتلال الإسرائيلي بدباباته عاجزاً على تخوم غزة من التقدم برياً ولو بما يسمح له من استثماره إعلامياً في الحرب التي يواجهها داخلياً من المجتمع الصهيوني، حيث لم يتمكن سوى من الدخول إلى محيط القطاع وفي أراض زراعية فارغة من البناء والسكان، الأمر الذي دفع بالمسؤولين في الكيان الإسرائيلي والإدارة الأميركية إلى إعلان المضي في العدوان، وآخر تلك المواقف تصريحات وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن قبل يومين، بأن الحرب على غزة لن تتوقف من دون القضاء على المقاومة الفلسطينية وتحديداً حركة حماس، وذلك في محاولة لاجتراع مرارة الهزيمة لجهة، ولتصدير صورة مخادعة لأهداف أكبر مما تعلن عنه واشنطن وربيبتها إسرائيل.
ثمة أمران بارزان في النصف الثاني من شهر العدوان الإسرائيلي على غزة، يشيان بأن الهدف الأساس للعدوان الإسرائيلي، أكبر من القضاء على المقاومة وحدها، وهو القضاء وإنهاء بقعة جغرافية تسمى غزة بقاطنيها الفلسطينيين، وذلك عبر هدف خفي وهو تهجير سكان غزة خارج القطاع بالنار، بعدما رفضت مصر المخطط الصهيوني بإسكانهم في سيناء، الأمر الأول محاولة جيش الاحتلال تقسيم جغرافية القطاع إلى قسمين شمال وجنوب، في مرحلة جديدة وأولية من مخطط «التهجير»، وذلك عبر دعوته سكان الشمال إلى التوجه جنوباً، وإعلانه كذباً أن المناطق الجنوبية من القطاع آمنة بغية اقتحام المنطقة الشمالية عسكرياً والسيطرة عليها مجدداً، والأمر الثاني اتباع سياسة الأرض المحروقة والتدمير الممنهج لأكبر قدر ممكن من أحياء غزة وبيوتها وبنيتها التحتية بحيث تستحيل الحياة بها لاحقاً، وإجبار من يرغب بالبقاء على الهجرة مع انتفاء أسباب الحياة من ماء وكهرباء ومدارس ومشاف.
أهداف الاحتلال الإسرائيلي بتهجير سكان غزة ليست وليدة اليوم من خلال العدوان ولا بالأمس من خلال ما كشفه تسريب صوتي للرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، عما دار بينه وبين رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو، وطلب الأخير توطين الفلسطينيين في سيناء، بل إن المخطط يعود إلى عام 1971 حيث كشفت وثائق بريطانية نشرتها «BBC»، أن محاولات إسرائيل لتمرير سيناريو تهجير الفلسطينيين إلى الأراضي المصرية ليس وليد اليوم، وإنما يعود إلى عام 1971، أي قبل حرب السادس من تشرين المجيدة بعامين.
وبحسب الوثائق التي نشرتها هيئة الإذاعة البريطانية فإن الخطة السرية التي وضعتها إسرائيل قبل 52 عاماً كانت تهدف إلى ترحيل آلاف الفلسطينيين من سكان قطاع غزة إلى شمال سيناء حيث كان القطاع مصدر إزعاج أمني لإسرائيل وباتت مخيمات اللاجئين بؤر مقاومة للاحتلال في تلك الفترة.
هول المفاجأة التي قضّت مضاجع الكيان الصهيوني «قادة ومستوطنين» في 7 تشرين الأول، وحجم الإذلال الذي لحق بصورة جيش الاحتلال مع انطلاق عملية «طوفان الأقصى» في ساعاتها الأولى كانت كفيلة بإدخال قادة الكيان في حالة من الهستيريا والجنون لاحقاً، وهو ما ظهر جلياً في ردة الفعل وحجم العدوان على قطاع غزة بإلقاء أكثر من 30 ألف طن من المتفجرات منذ بداية الحرب، ودفع بقادة الكيان الإسرائيلي لامتصاص نقمة الداخل الصهيوني إلى الذهاب بعيداً في تعهداتهم بما يخص القضاء على المقاومة، وتحديداً القضاء على حركة حماس، الأمر الذي كان واضحاً في كلام وزير الحرب يوآف غالانت بقوله: «لا مكان لحركة حماس في غزة، في نهاية معركتنا لن يكون هناك حماس»، إلا أن تجارب قوات الاحتلال الإسرائيلي مع المقاومة في 2008 و2014، والتي أطلقت فيها ذات الأهداف «القضاء على حماس»، تؤكد أن هدف العدوان الحالي على غزة يشكل سقفاً وهدفاً صعب المنال والتحقيق.
رفع السقف الناتج عن صدمة قادة الكيان، دفع بهم إلى الوقوع في ورطة الوفاء بما أعلنوه، ويبدو أنهم سيمضون وقتاً طويلاً دون الوصول إلى ذلك، من دون نسيان احتمال أنهم سيدفعون فاتورة كبيرة وثمناً باهظاً في غزة، حيث يقول رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي «نخوض حرباً مع عدو قاس ولهذه الحرب ثمن مؤلم وباهظ».