يتداولون هذه الحكاية مع بعـض الاختلافات؛ وهأنذا أسردها مع بعـض التعـديلات.
وضع مدير المؤسسة فيلاً ضخماً في غرفة الاجتماعـات، وطلب من ثلاثة من أهم مساعـديه وصفه، بعـد أن عـمـّش لهم عـيونهم؛ ومن دون معرفتهم المسبقة بماهيته، وذلك لمحاولة اكتشاف ما أمامهم.
بدأ كل منهم بتحسس الفيل الضخم الماثل أمامهم، وخرجوا بثلاثة انطباعات:
قال الأول: إنه كائن كبير من أربعة أعمدة ويقف على الأرض.
قال الثاني: إنه يشبه الثعبان تماماً!
وقال الثالث: لا بل هو خرطوم!
بينت إجاباتهم كمْ هم مختلفون، فبدؤوا بالشجار، مع تمسّك كل منهم برأيه، وتطوّر الجدال لاتهامات بالجهل، وقلة المعرفة، ثم تشابك بالأيدي والضرب.
واضح أن الأول أمسك بأرجل الفيل وتخيلها أعمدة، أما الثاني فقد تمسك بخرطومه، وتخيله ثعباناً. أما الثالث فقد أمسك بذيله وتخيله، لسبب ما، خرطوماً.
وجاءت تصورات كل منهم نتيجة معارفه وتجاربه السابقة في الحياة، من دون إعطاء تجارب الآخرين ما تستحق من أهمية، وأخطؤوا جميعاً من دون أن يكون أي منهم كاذباً، وجاءت اختلافاتهم بسبب صعوبة إدراكنا أن للحقيقة أكثر من وجه. فحين نختلف فهذا لا يعني دائماً أن أحدنا على خطأ، فقد نكون جميعاً على صواب، أو نكون جميعاً على خطأ، فكل طرف يرى ما لا يراه الآخر، مثلما يطلب من شخصين متقابلين وصف قطعة عملة معدنية من جهته!
وبالتالي من الخطأ الإيمان التام بأن كل من ليس معنا فهو بالتالي ضدنا، فقط لأنه، لسبب خارج عن إرادته، لم يستوعب فكرة أن رأينا ليس بالضرورة صحيحاً لمجرد أنه رأينا، واحتمال أن يكون الرأي الآخر أكثر صحة، حتى لو كان مخالفاً لرأينا! وعلينا ألا نعتمد على نظرتنا «الأحادية» للأمور، وأن نستفيد من آراء الآخرين، فقد يرون أموراً، مهمة وخطيرة، ولكننا لا نستطيع رؤيتها من زاويتنا.
وهذا ما يتسبـّب بالشلليـّة والانقسامات في مؤسسة ما؛ لدى تقييم أولويات الخطة؛ أو تحديد الميزانية؛ أو ترفيع العـاملين!
أقول ذلك من منطلق الخلافات التقانية أو الإدارية لمكونات أي مؤسسة، واعتقاد كل فريق أنه المحق، وأن ما يؤمن به من آراء، هو الصواب أو يمثل الحقيقة المطلقة، وآراء غيره خاطئة وتستحق التسفيه.
قد يكون هذا طبيعياً ومن سمات البشر منذ فجر التاريخ، وسيستمر إلى الأبد، ما دامت خلفياتنا الثقافية والتعليمية وتجاربنا في الحياة متفاوتة متنوعة، فعادة ما ينتج عن هذا التنوع الكثير من الجمال، إن تم التعامل معه بطريقة صحيحة، واعتباره آراء شخصية من حق الجميع الإيمان بها. لكن الأمر يختلف في المؤسسات في مجتمعات متخلفة، حيث يصبح الاختلاف حاداً غالباً، ودموياً في أحيان كثيرة.
فعلى الرغم من اقتناعنا -الظاهري- بمقولة الإمام الشافعي بأن «رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب»، فإننا غالباً ما نلجأ إلى ألسنتنا، ثم إلى أيدينا، وأحياناً كثيرة إلى أسلحتنا لنؤكد للآخر صحة رأينا.
وهذه من سمات مجتمعات لم تُعلّم أو تُربّ على فضيلة الاختلاف، وهذا من أهم عـيوب بيئتنا المؤسساتية.