حرب المصطلحات
| حسن م. يوسف
في كل يوم أزداد اقتناعاً بأن دور المصطلح والخبر له تأثير عميق في جبهات الصراع يرقى أحياناً لدور الطائرة والدبابة والمدفع. وفي كل يوم أكتشف أن الإعلام العربي يتعامل بخفة مع هذا الموضوع الخطير.
يعرف خبراء الإعلام المصطلح بأنه: «… كلمة، أو جملة مركّزة، منحوتة بدقة، تعبّر عن حالة، أو موقف، أو قضية، أو حدث، أو منطقة جغرافية، أو فترة زمنية، أو فئة معينة، وذلك لإبراز معلومة، أو طمس أخرى، أو كسب موقف دولي، أو إقليمي، أو تغيير اتجاهات وميول معينة، لدى شعب، أو أمة معينة، أو صناعة صورة نمطية، أو سلب إرادة الآخرين والسيطرة عليها، أو تكوين رأي عام، ويكون ذلك بما يتوافق مع مصالح صانع المصطلح».
وإذا ما دققنا في هذا التعريف فسنجد أن الغرب يستخدم حرب المصطلحات لصناعة الأكاذيب المقنّعة والترهات الموثقة، بغية التلاعب بالرأي العام الذي له جسد مارد وعقل طفل، لترويض المواطنين وجعلهم ينصاعون لأهداف السياسيين الملتوية.
وكجزء من حرب المصطلحات تصدر المؤسسات الإعلامية الكبرى في الغرب كل عام ما يسمى «كتاب الأسلوب» أي Style book يتضمن المصطلحات والصيغ التي تتطابق مع سياستها، كما تقوم بتزويد العاملين لديها، بين وقت وآخر، بما يسمونه «إرشادات تحريرية» Editorial guidelines تتضمن المصطلحات التي يجب استخدامها من العاملين بشأن القضايا المستجدة. وهذا يفسر التناغم العجيب بين طروحات العاملين على اختلاف آرائهم ومستوياتهم.
صحيح أن الإعلام الغربي يتغنى بالحرية على الطالعة والنازلة، غير أن ذلك الإعلام لم يكن مندمجاً مع السلطات الحاكمة في بلدانه كما هو الآن، فقد تم تأجيل لحظة الصفر لساعة كاملة يوم بدء الغزو الأميركي للعراق لأن كاميرات الـ«سي إن إن» لم تكن جاهزة للبث، وقد أشار أكثر من دارس إلى أن حرب الخليج الثانية كشفت عن ثلاث قوى تفجيرية كبرى؛ الأولى: صواريخ توماهوك. والثانية: القنابل التي تتحرك بالليزر، أما الثالثة فهي كاميرات شبكة C. N. N. كما عبرت مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، عن هذه الحقيقة عندما قالت: «إن شبكة C. N. N الأميركية هي العضو السادس دائم العضوية في مجلس الأمن!» وفي عام 2003 أصدر الباحثان الأميركيان شيلدون رامبتون، وجون ستوبر كتاباً بعنوان «أسلحة التضليل الشامل» أشارا فيه إلى وجود «شركات علاقات عامة وظيفتها بيع الوهم للمواطنين، وبعضها يرتبط بعقود مع المخابرات الأميركية تخوّلها حق توزيع الأخبار المغلوطة عن الحرب وتصوير أفلام تلفزيونية دعائية تصوغها بالشكل الذي يخدم أهدافها». ويؤكد المؤلفان أن «مشهد إسقاط تمثال صدام حسين في قلب بغداد كان مسرحية من إعداد وإخراج إحدى تلك الشركات التي قامت بتعبئة أكثر من 100 شخص لكي يكونوا جاهزين للتصفيق… إلخ».
وقد اعترف وزير الخارجية الأميركي السابق دونالد رامسفيلد بأنه أسس مكتباً يُشرف عليه بنفسه مهمته تزييف الحقائق وبثها سماه (وحدة التأثير الإستراتيجي) ميزانيتها مئات الملايين من الدولارات وتتعاون مع المخابرات الأميركية وتزود بموادها أعداداً من الصحفيين والكتاب «العرب»، وما على من يريد أن يطلع على عينات من هذه المواد إلا أن يراجع مقالات سركيس نعوم في جريدة النهار آنذاك!
دعونا نعترف أنه من المعيب أن يستمر اختراق المصطلحات المعادية لوسائل الإعلام الوطنية العربية، الأمر الذي يقتضي وضع « كتاب أسلوب» لها مجتمعة أو لكل واحدة منها، كي يعمل المحررون في ضوئه، وعندها ستنتهي هزيمتنا الدائمة في حرب المصطلحات.