أعترف أن المآسي المريعة التي تجري في غزة قد بددت رغبتي في العمل وسلبتني التركيز في القراءة، لذا أتأرجح بين الشاشات الصغيرة منها والكبيرة لأهرب من صورة عنيفة إلى صورة أقسى وأشد عنفاً. وقد وجدت نفسي البارحة في مواجهة السؤال التالي: هل هناك علاقة بين أفلام العنف التي تملأ الشاشات، وبين الجرائم المنهجية الشنيعة التي يقترفها الكيان السرطان ضد أهلنا في فلسطين الآن؟
قبل نحو ربع قرن أهداني صديق قادم من الغرب كتاباً بعنوان: «العنف والسينما الأميركية» للكاتب ديفيد سلوكوم، وقد استوقفتني في ذلك الكتاب معلومة مخيفة مفادها: «لو قتل شخص أميركي في الواقع مقابل كل شخص يقتل في الأفلام الأميركية التي تعرض داخل أميركا وخارجها، لفنيت أميركا خلال خمسين دقيقة». وإذا أجرينا عملية حسابية بسيطة سنجد أن عدد قتلى الأفلام الأميركية كل ساعة هو نحو أربعمئة مليون قتيل. وإذا ما تابعنا الحسبة فسنجد أنه لو قتل شخص في الواقع مقابل كل شخص يقتل في الأفلام الأميركية لفنيت البشرية بملياراتها الثمانية خلال عشرين ساعة فقط!
من المعروف أن اليهود الأميركيين هم الذين أسسوا هوليود، وهم من جعلوا من الانتقام موضوعَ أفلامها الأساسي، فالسينما الأميركية هي «تعبير عن العقل الباطن الجمعي اليهودي»… «من هوليود خرجت الرغبة في الانتقام، وعبر أفلامها انتشرت تلك الرغبة في مختلف أنحاء العالم».
ثمة توجه ينمو بسرعة حالياً بين الإعلاميين المناصرين للقضية الفلسطينية بأن الكتلة البشرية الداعمة لإسرائيل في أميركا والغرب عموماً بدأت تنكمش بشكل واضح جداً، ولهذا الاعتقاد أساس في الواقع الموضوعي، فرغم التقييد الذي تمارسه منصات ومواقع التواصل الاجتماعي، يمكننا الحديث دون تردد عن حدوث تحول في مزاج المجتمع الأميركي والغربي عموماً تجاه إسرائيل، وخاصة بين فئة الشباب والمستقلين الذين لا يتابعون وسائل الإعلام التقليدية. فدماء أهلنا الأبرياء في غزة وعموم فلسطين أسقطت قناع الكيان السرطان وبددت الصورة التي رسمها لنفسه كملاذ مسالم لشعب مظلوم تعرض للإبادة، بل كشفت حقيقته كوحش من حديد ونار يفتك بالأطفال ولا يقيم وزناً لحياة النساء والشيوخ.
وقد أسهمت عجرفة العدو واعتزازُه بإثمه، في نزعِ القناع عن وجهه البشع، فدعوة وزير الدفاع الفاشي غالانت لقتل المدنيّين الفلسطينيّين «لأنّهم حيوانات بشريّة» ارتدت عليه!
لا شك أن (صحافة المواطن) ومختلف منصات التواصل الاجتماعي، لعبت دوراً بارزاً في إيضاح عدالة القضية الفلسطينية، رغم كل التقييدات التي تحكمها، لكن هذا التطور المهم ما كان من الممكن أن يتم لولا التضحيات البطولية التي قدمها أهلنا في فلسطين.
رغم كل ما سبق يجب أن نعترف بأن الكيان السرطان قد نجح طوال عقود في «إطفاء عين الحقيقة»، وسنكون واهمين لو اعتقدنا أننا قد حسمنا معركة الرأي العام العالمي لمصلحتنا بشكل نهائي، فالصهاينة ما يزالون يسيطرون على أهم مفاتيح الإعلام في العالم. صحيح أن عدالة القضية وصراحة دماء أهلنا النبيلة باتت واضحة حتى للأعمى، لكن المتعامي أسوأ من الأعمى بكثير!
وما أكثر المتعامين في هذا العالم!