استنادا إلى وقائع فرن المزة الآلي في دمشق، فلقد شهد منذ شهر تقريباً ازدحاماً مفاجئاً في مشهد مغاير لحاله خلال العامين الماضيين.
وازداد الازدحام حدة في الآونة الأخيرة، على الرغم من زيادة سعر الربطة غير المدعومة إلى ثلاثة آلاف ليرة.!
ولفت انتباهي خبر منذ أسبوعين تحدث عن تفقد وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك ومحافظ ريف دمشق لحال الخبز في مدينة جرمانا بريف دمشق وهي الملاصقة لدمشق، وتعاني منذ فترة طويلة ازدحاماً هائلاً على الخبز وتعنت المعتمدين ومزاجيتهم، فمنهم من يغلق دكانه يوم الخميس- مثلاً- ما يحرم صاحب البطاقة من حصته يوم الخميس.
وهناك كثر يبيعون الخبز في الليل!!
والازدحام هائل على الفرن الحكومي والفرن الاحتياطي. وما من شك فإن الزيادة بوزنها الجديد هي محصلة لزيادة حادة في الازدحام والمعاناة، وقد نجم عنها التوجيه باتخاذ أقسى الإجراءات العقابية للمتقاعسين والمتلاعبين، وبذل أقسى الجهود لتخفيف الازدحام وتقليص تداعياته السلبية.
ولكن من دون جدوى للأسف الشديد، ولعل السر كامن في الرهان على المعتمدين، فهم في واد وفقراء الوطن الشغوفون برغيف للعيش في واد آخر.
إن السعي وراء الربح لدى المعتمدين بطرق ملتوية من جهة، وضعف القدرة الإنتاجية للفرنين الأساسيين في جرمانا، هما سر الازدحام المزمن.
أيعقل إغماض العين عن التضخم السكاني في تلك المدينة بسبب الحرب والنزوح إليها. كانت مليون نسمة فغدت مليونين ونصف المليون وهذا يعني أنها بحاجة إلى أربعة أفران كبرى.
في العام 1975، توجهت وزارة التموين نحو بناء الأفران الآلية، وتصنيع خطوط إنتاجها محلياً في محاكاة للأجنبية، واستطاعت في عامين بناء مصانع للخبز في جميع المحافظات السورية. فما بالنا الآن نعجز عن بناء مصنع جديد للخبز لمدينة كبرى مثل جرمانا..؟
يذهب وزير ويأتي وزير وتتكرر الزيارات التفقدية من دون جدوى ولكأنه هروب من الحل الجذري، الذي أطالب به بإلحاح، ولعل كلمة مصنع أكبر من واقع مصانع الخبز التي بنيت بهياكل الألمنيوم، وهي أقرب إلى-الهنغارات-.
ثم أيعقل ألا يدرك من يدلون بأحاديث بصفتهم خبراء، أن الخبز حياة وأنه في حياة الفقراء (ونعني به الخبز المدعم)، هواء …!!
حدث لغط كبير شوّش على مأثرة الخبز في سورية، الصامدة رغم الحرب والحصار والأزمة الاقتصادية الطاحنة ومن يضغطون نحو حلول البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، فمنهم من أوحى وكأن الدعم سيلغى بدليل أن رقمه لم يرد في مشروع موازنة 2024، وتم الاقتصار على ذكر دعم الخميرة بـ103 مليارات. علماً أن دعم الخبز هو 6000 مليار ليرة سورية في موازنة 2023. وقد اتضح الآن السبب بعد زيادة سعر الخبز غير المدعوم، مع التأكيد على الإبقاء على سعر ربطة الخبز المدعوم 200 ليرة سورية، وهذا الإبقاء جزء من الصمود الوطني والنصر السوري.
ومن ذاك التشويش أيضاً. محاولة بعضهم الاصطياد في الماء العكر والتلويح بالحرب في أوكرانيا وتأثيرها في صادرات القمح العالمية، متجاهلين الاتفاقيات الإستراتيجية مع الحليف الروسي الصديق، التي عقدت في دمشق أو تمت مراجعتها في موسكو وقد أثمرت عن تأمين 1,4 مليون طن قمح من جمهورية روسيا الاتحادية، وهذا الرقم إذا ما أضفنا إليه أن المؤسسة العامة للحبوب تسوقت في هذه السنة 760 ألف طن قمح من المنتجين السوريين(حسب وزير الزراعة) فإنه يكفينا لإنتاج خبزنا حتى نهاية موسم الحصاد في نهاية شهر آب القادم.
وبهذا المعنى الخبز السوري بخير ومن يفتعل الازدحام بالإهمال وسوء الإدارة يجب أن يقصى، والمناطق التي تضخمت سكانياً يجب ألا يتم تجاهل كبرها وأنها بحاجة إلى كميات إضافية، علماً أن الازدحام بشكله الفوضوي المقيت عندنا مرض موجع جداً وآثاره على الروح مضنية.