ثقافة وفن

حكام العالم الجديد … انقلابات كثيرة تدبرها الإمبريالية في العالم الثالث

| مايا سلامي

صدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق كتاب بعنوان: «حكام العالم الجديد»، تأليف جون بيلجر، ترجمة عبد الكريم ناصيف، يقع في 278 صفحة، ويكشف الكتاب الانقلابات الكثيرة التي تدبرها الإمبريالية في العالم الثالث فتذهب بالحاكم المنتخب ديمقراطياً لتأتي بدكتاتور مستبد ينفذ لها مآربها دون تردد أو تذمر. منها أيضاً تدريب عشرات آلاف المرتزقة لقتال الاتحاد السوفييتي في أفغانستان ليتحولوا بعد ذلك إلى القاعدة، نواة الإرهاب وأداته الرهيبة في الأرض. كذلك يكشف لنا المؤلف الكذبة الكبيرة التي أطلقتها الإمبريالية تحت ستار الحرب على الإرهاب والكذبة الكبيرة الأخرى التي لفقتها على العراق تحت ستار أسلحة الدمار الشامل ذريعة تغزو بها العراق وتدمره خدمة لإسرائيل والصهيونية.

ويهدف الكتاب إلى تفسير شيء من هذا النظام الجديد وأهمية تحطيم الصمت الذي يحمي القوة العظمى وتلاعباتها لاسيما الحرب الراهنة. ويتألف الكتاب من أربعة فصول والرابط الذي يجمع بينها هو تركة الإمبريالية القديمة وعودتها إلى المحترمية على شكل عولمة وحرب على الإرهاب، ويناقش أننا بحاجة ماسة إلى ترياق مضاد للدعاية التي تشير إلى أخطار لا تقل عن أخطار الحرب الباردة.

الاقتصاد الإندونيسي

ويبدأ المؤلف كتابه بقصة «التلميذ النموذجي» التي تروي كيفية انهيار الاقتصاد العالمي في آسيا عبر حمام الدم الذي جاء بالجنرال سوهارتو إلى السلطة في إندونيسيا 1965- 1966، وتستند إلى وثائق رأت النور حديثاً تصف اجتماعاً مهماً عقد سنة 1967 لشخصيات من أقوى الشركات العالمية وهو الاجتماع الذي خطط فيه للاقتصاد الإندونيسي قطاعاً قطاعاً.

ويتحدث بيلجر عن مدينة جاكرتا المدينة الصناعية الضخمة في إندونيسيا، فيقول: «تصميم المدينة الصناعي الذي يدهشك وأنت تنظر من الجو، فجاكرتا محاطة إحاطة السوار بالمعصم بمجمعات كبيرة محروسة، حديثة نسبياً، تعرف باسم مناطق معالجة الصادرات وهذه المناطق تتضمن المئات من المصانع التي تعد المنتجات للشركات الأجنبية: الملابس التي يشتريها الناس في الشوارع المترفة في بريطانيا، أسواق التبضع في أميركا الشمالية وأستراليا».

ويشير إلى أنه ثمة آلاف العمال الذين يعملون بأجر يعادل 72 بنساً في اليوم أي نحو دولار، فهذا هو الحد الأدنى الرسمي للأجر في إندونيسيا الذي كما تقول الحكومة يغطي نحو نصف نفقات المعيشة، حيث يحصل عامل «النايك» مثلاً على أجر هو أربعة بالمئة تقريباً من سعر المفرق للحذاء الذي يصنع أي ما لا يكفي لشراء شريط الحذاء.

كما يكشف عن سوء معاملة هؤلاء العمال الذين يعيشون في مهاجع مصنوعة من كتل نفاية الفحم، علب الرزم المصنوعة من ألواح الخشب والحديد المموج، ويذكر: «هؤلاء الناس شأنهم شأن أغلبية البشرية التي لم تحظ بمباهج الماكدونالد والإنترنت والهواتف الجوالة، والتي لا تستطيع دفع ثمن ما تحتاجه في طعامها من البروتين، وهم في نظر العولمة غير بشر، إنهم يعيشون في أماكن مجاريرها مفتوحة وفائضة على الدوام ومياهها ملوثة… والمحصلة هي كارثة بيئية نتاجها البعوض الذي يشكل اليوم نوعاً من الوباء في المخيمات».

بعد حرب الخليج

كما يصور الكتاب الوضع الصحي الصعب الذي يعانيه العراق نتيجة التلوث الحاصل فيه بعد انتهاء حرب الخليج والذي أدى إلى انتشار مرض السرطان بشكل كبير.

ويبين بيلجر أن العراق بسبب الحظر الاقتصادي الذي فرضه مجلس الأمن عليه سنة 1990 ورفع من درجته في السنة التالية محروم من المعدات والخبرة التي يمكنه أن يزيل بها تلوث ميادين القتال لديه مقارنة بالكويت وكيف تم تنظيفه بعد حرب الخليج.

ويقول: «أحد أطباء الجيش الأميركي الذين كانوا مسؤولين عن تنظيف الكويت هو البروفيسور دوغ روك، وقد قابلته في لندن، هو نفسه ضحية اليوم مثله مثل كثيرين من الناس في جنوب العراق، حيث أصابه التلوث باليورانيوم الذي يغطي المنطقة بكاملها في العراق والكويت».

ويبين البروفيسور روك أن قرار الولايات المتحدة وبريطانيا باستخدام سلاح تدمير شامل كاليورانيوم المنضب، حيث أطلق من هذا السلاح في حرب الخليج ما يربو على الـ300 طن، إذ إن طائرة هجومية من طراز وورتوغ آ- 10 أطلقت ما يزيد على 900000 ألف طلقة كل طلقة هي عبارة عن 300 غرام من اليورانيوم الصلب، وحين كانت الدبابة تطلق قذائفها كانت كل طلقة تحمل 4500 غرام ونيف من اليورانيوم الصلب، هذه الطلقات مكشوفة لا ساتر لجسمها ولا رأسها والأكثر من ذلك لدينا ما يدل على أنه كان ممزوجاً بالبلوتونيوم، أي أن ما حدث في حرب الخليج هو شكل من أشكال الحرب النووية.

قوة خفية

وفي فصل اللعبة الكبرى يسعى إلى توضيح الطرق التي توفر بها قوة الدولة الخفية الشروط والامتيازات التي تحمي بها السوق الغربية فيما تسمح للشركات الغربية بالتدخل حيثما تشأ في العالم مثلما فعلت في إندونيسيا، فالقوة الدائمة للإمبريالية اليوم تظهر على شكل يد خفية وقبضة حديدية للرأسمال القائم على حد سواء.

ويتحدث فيه عن قدرة الآلة العسكرية الأميركية على سحق البلدان المعدمة شريطة غياب جند البر الأميركيين واستبدالهم بقوات محلية أو حليفة، والاستثناء الوحيد كان في فيتنام إذ بغض النظر عن قاذفات الـ ب52 والنابالم والمواد الكيميائية المعرية للشجر ووطأة الأعداد الثقيلة فإن الحشود الأميركية لم تستطع أن تضاهي معرفة شعب مستعد للتخلص من الغزاة وعناده وذلك هو درسهم الإمبريالي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن