قضايا وآراء

إسرائيل تستبيح القوانين الدولية

| الدكتور قحطان السيوفي

المشهد العالمي يشير إلى انحياز إعلامي غربي لمصلحة الكيان الإسرائيلي بشكل عام، في حرب إسرائيل العدوانية على غزة التي تجاوزت شهراً ونيف منذ اندلاعها في الـ7 من تشرين الأول الماضي، وسائل الإعلام الغربية منحازة لمصلحة إسرائيل دوماً وتعتبرها كذباً في موقع الدولة المُعتدى عليها.

وعلى مدار هذه الحرب، التي تشهد تدميراً إسرائيلياً ممنهجاً، لمنشآت مدنية فلسطينية في غزة، وقتل الآلاف من المدنيين، ثمة سؤال مهم، أين يقف القانون الدولي من هذه الحرب الهمجية؟

الحروبُ لم تكن في يوم من الأيام ذات طابع إنساني؛ لذلك حاول العالم بعد الحربِ العالمية الثانية أن يكون متحضراً، فجاء ميثاقُ الأمم المتحدة ليؤكد حرصَه على إنقاذ الناس من ويلاتِ الحرب وأعطى خمسة أعضاء حق النقض، ليصبح مجلس الأمن الدولي رهينة بيد الأقوياء، ولتصبح العدالة نسبية ومتغيرة.

وهكذا تعززت هيمنة الغرب الأوروبي الأميركي بنكهتها الاستعمارية المتسلطة، لكن بعد الحربين العالميتين ظهر الاتحاد السوفييتي، وبدأ القانون الدولي يتغير في الشكل، وليس في الجوهر؛ وطعن السوفييت بمعظم الأعراف، والاتفاقيات المتشكلة في الغرب، لأنها نتاج علاقات قوى غير متكافئة، والدول المستضعفة أُلزمت بهذا القانون إلزاماً.

هذا الواقع القانوني يفسر بوضوح موقف الغرب الداعم لحرب إسرائيل العدوانية الهمجية على غزة، وانتهاك إسرائيل للقوانين الدولية، لدرجة أن وزير الدفاع الإسرائيلي ذكّر بمفهوم التحضر القديم الأوروبي، فوصف أهل غزة بالحيوانات، وأعاد للأذهان فتاوى الفقيه الإسباني فيتوريا الذي طالب بسحق غير المتحضرين، ولو استدعى الأمر قطع الماء والكهرباء، ومنع الغذاء، وقتل الأطفال. كما تفعل آلة الحرب الإسرائيلية المتوحشة.

ورغم أن القانون الدولي الحالي تغير كثيراً بعد إدخاله تشريعات مهمة، مثل اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها، ونصوصاً قانونية في ميثاق الأمم المتحدة، فإنه لم يزل بتركيبته التي تعبر عن توازن القوى، وتفسيراته النسبية، بعيداً عن مفهوم القانون الدولي الحق.

تذرع الغرب الأميركي والأوروبي بحق إسرائيل في الدفاع عن النفس وفق المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة؛ فالولايات المتحدة والدول الأوروبية زعمت بأن حركة حماس اعتدت على إسرائيل، ومن حقها الدفاع عن نفسها، وهذا يعطيها الحق بألا ترد فقط بالعدوان، بل توسعه.

وهذا تفسير مزاجي متحيز لدولة العدوان وهو يتجاهل التمييز بين أمرين يتعلقان بشن الحرب وإدارتها؛ فالأول يتطلب إثبات الشرعية، والثاني يتطلب الالتزام بقوانين إدارتها، والقول إن حماس معتدية لدخولها أراضي إسرائيل وقتلها مدنيين وأخذها رهائن، هو خاضع للنقاش، ومحل جدال، فحركة حماس تُصنَّف في كثير من الدول، كما تبدَّى في الجمعية العامة للأمم المتحدة، كحركة تحرُّر وطني، ومعركتها داخل إسرائيل هي مقاومة للاحتلال، وبالتالي لم تجتَز حدوداً، وفق المادة 51 من الميثاق، لأنها لم تخرق حدوداً، بل قاومت احتلالاً، وهو مكرَّس في الميثاق تحت بند حق تقرير المصير الذي اعترفت به الدول به كممارسة، كما جاء في المادة 38 من ميثاق محكمة العدل الدولية، وغزة عملياً وقانونياً محتلَّة، وتصوير الغرب بأن إسرائيل تعرضت لعدوان فيه الكثير من النفاق.

على مدى شهر ونيف خرقت إسرائيل ثلاثة مبادئ في إدارة الحرب: أولاً عدم التمييز بين المدنيين والمحاربين، وثانياً تجاهل معيار المماثلة القاضي بألا تتجاوز في عملياتها المطلوب والمبرّر عسكرياً، وثالثاً معيار الحيطة؛ بأن تبذل ما بوسعها لتقليل الخسائر في المدنيين ولا تتعرض للمستشفيات ولا للبنية التحتية المدنية، لكن كل هذه الأمور استباحتها إسرائيل بوحشية، وتصريحات زعمائها السياسيين والعسكريين تؤكد ذلك، علاوةً على قطعها الكهرباء والماء ومنعها الوقود والغذاء بما يرقى لمستوى جريمة حرب كبرى يمكن وصفها بالإبادة.

لا توجد وسيلة قانونية، مع وجود حق النقض في مجلس الأمن الدولي، إلا محكمة الجنايات الدولية الخاضعة أيضاً لتوازنات القوى؛ فهذه المحكمة، رغم إعلان اختصاصها منذ عام 2011؛ بملاحقة انتهاكات حقوق الإنسان في غزة، لم يصدر عنها شيء إطلاقاً. وهذا يعود لسببين قانوني وسياسي. قانونياً برفض انضمام إسرائيل إليها، وسياسياً عبر تهديد أميركا للمحكمة وموظفيها بإدراج المدعي العام على لائحة العقوبات، واعتماد المحكمة على المساعدات المالية الأوروبية، وهذا يقفل الباب أمام تحقيق العدالة.

تنتهك إسرائيل في حربها على غزة عدداً من قواعد القانون الدولي، مثل عدم الالتزام بالتمييز بين المدنيين والمقاتلين وتعمد الإضرار بالمدنيين وممتلكاتهم.

وتنص المادة «25» من اتفاقية لاهاي على حظر مهاجمة أو قصف المدن والقرى والأماكن السكنية أو المباني المجردة من وسائل الدفاع أيا كانت الوسيلة المستعملة.

ويؤكد النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أن تعمّد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين أو ضد أفراد مدنيين لا يشاركون مباشرة في الأعمال الحربية «يشكل جريمة حرب».

اعتبر مسؤول السياسة الخارجية في «الاتحاد الأوروبي» جوزيب بوريل، أنّ المأساة الدائرة في الشرق الأوسط، هي نتيجة «فشل سياسي وأخلاقي جماعي»، مؤكداً أنه فيما اعتقد الجميع أن «التطبيع بين إسرائيل وبعض الدول العربية، سيجلب السلام»، فإن «ذلك لم يحدث» فعلياً.

أدت حملة «طوفان الأقصى» إلى توجيه صفعة عسكرية – سياسية لإسرائيل ستظل مهيمنة على الساحة السياسية المحلية لفترة طويلة، والإجراءات الإسرائيلية التي فرضتها تل أبيب على سكان قطاع غزة عقب عملية «طوفان الأقصى»، تعتبر جرائم حرب مثل التهجير والحرمان من المساعدات وقصف المدنيين.

وتقول المقررة الأممية لحقوق الإنسان فرانشيسكا ألبانيز، إن سكان غزة يتعرضون للإبادة، محذرة من تطهير عرقي للفلسطينيين، على حين اعتبر المقرر الأممي الخاص بالحق في المياه بيدرو أرواخو أغودو، تقييد فرص الناس في الحصول على المواد الحياتية جريمة حرب، وذهب وزير الخارجية الصيني وانغ يي لوصف الممارسات الإسرائيلية في غزة بأنها «تتجاوز حدود الدفاع عن النفس»، فقد نفذت إسرائيل قصفاً مستمراً لقطاع غزّة المكتظ بالسكان، الذي يأوي 2,3 مليون نسمة. وبحسب وزارة الصحة في غزّة، قُتل أكثر من عشرة آلاف فلسطيني، منهم نحو أربعة آلاف طفل، منذ 7 تشرين الأول. وتسببت القنابل في تحويل مباني بأكملها، بل أجزاء من الأحياء، إلى أنقاض، وتنص اتفاقية جنيف الرابعة «البروتوكول الإضافي الأول» على السماح بمرور شحنات الإغاثة الإنسانية وحمايتها وتيسير مرورها، في حين يحظر «البروتوكول الإضافي الثاني» إصدار أوامر بالنزوح القسري للسكان المدنيين.

إسرائيل بعدوانها الوحشي على غزة وجرائمها التي ترتكبها تستبيح وتنتهك القانون الدولي، والاتفاقيات الدولية، بانتهاجها سلوكاً عدوانياً يرقى إلى مستوى جرائم حرب.

وزير وسفير سوري سابق

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن