إذاً لقد احتاج الأمر ستة وثلاثين يوماً لكي يصل الأنين إلى آذان العرب والمسلمين، الذين قرروا الالتئام بالعاصمة السعودية الرياض يوم السبت الماضي للنظر فيما هم فاعلون تجاه مصادر ذلك الفعل الذي أقض مضاجع الكثيرين على امتداد العالم ممن لا يزالون ينظرون إلينا كـ «بشر» وليس كـ «حيوانات» وفقاً لما ارتآه وزير الحرب في «كتيبة» الغرب المزروعة بين ظهرانينا ضماناً لـ «ترويضنا» وضماناً أيضاً لكبح جماح «المتمردين» منا على الدوام. ستة وثلاثون يوماً سالت فيها الدماء الفلسطينية كما لم تفعل منذ خمسة وسبعين عاماً هي عمر نكبتهم الأولى فيما التباشير أن الثانية ستكون الأقسى قياسا إلى «غطرسة» كل هذه التكنولوجيا التي راحت تتوارد على «الكتيبة» إياها بحيث أضحت المعركة شبيهة بتلك التي تجري عادة بين «الجذور» و«آلات القلع» التي صممت أصلاً لفعل من هذا النوع، لكن المصيبة هنا لا تكمن في ضعف التصاق الجذور بالأرض بقدر ما تكمن بالممسكين بـ«مرشات» تحوي في دواخلها على «مبيدات جهازية» من النوع القادر على النفاذ إلى تلك الجذور وإضعافها، فالممسكون اليوم يلعبون دوراً أقوى من الآلات على الرغم من كفاءة هذي الأخيرة.
ارتأت الرياض في الساعات الأخيرة التي سبقت الموعد المقرر لانعقاد القمة دمج القمتين العربية والإسلامية «استشعاراً من قادة جميع الدول لأهمية توحيد الجهود والخروج بموقف جماعي موحد يعبر عن الإرادة العربية والإسلامية المشتركة» وفقا لما أوردته وزارة الخارجية السعودية في بيان لها على منصة «X »، حيث سيضيف البيان آنف الذكر أن ذلك الفعل يهدف أيضاً لخلق موقف ضاغط من أجل «وقف الحرب في غزة خشية أن يتسع نطاق الحرب في المنطقة»، ولربما كانت هذه الفقرة الأخيرة من النوع الكاشف للمرامي الأبعد من عقد القمتين بغض النظر عن دمجهما أو انعقادهما منفردتين، فالسعي يرمي إلى منع اتساع رقعة الحرب بالدرجة الأولى، وليس إلى إنقاذ غزة ومعها ما تبقى من أوراق القوة بيد الفلسطينيين الساعين نحو إقامة دولتهم على ترابهم الوطني.
واقع الأمر هو أن فعل «التأخير» لالتئام العرب والمسلمين، والذي دام لمدة تزيد على خمسة أسابيع مما لم يفعلوه تجاه أحداث هي أقل تأثيراً من حيث طبيعتها الارتدادية، ليبيا 2011 مثالاً، يعطي الكثير من الدلالات كما يبرز العديد من المؤشرات الناظمة للفعل والتي قد تكشف الفقرة الأخيرة من بيان وزارة الخارجية السعودية، آنف الذكر، بعضاً من ملامحها، الأمر الذي تؤكده «كواشف» أخرى راحت تمضي في تأكيد تلك الصورة، والشاهد هو أن شبكة «سي إن إن» الأميركية كانت قد نشرت تقريرا يوم الجمعة الماضي، أي اليوم الذي سبق انعقاد القمة المشتركة، استندت فيه إلى برقية واردة من السفارة الأميركية بالعاصمة العمانية مسقط وهي معممة، كما يقول التقرير، على مجلس الأمن القومي الأميركي وكذا على الاستخبارات الأميركية CIA إضافة إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI، لتقول إن التطورات الحاصلة في حرب غزة إذا ما استمرت على وتيرتها أو تصاعدت من شأنها أن تعرض مصالح الولايات المتحدة لمخاطر «غير مسبوقة» في المنطقة، وفي هذا السياق تقول البرقية «نحن نخسر بشدة في معركة الرسائل»، قبيل أن تخلص إلى تحذير إدارة الرئيس جو بايدن من «المسؤولية المادية والمعنوية عما تعده، جهات الاتصال التي استندت إليها البرقية، جرائم حرب محتملة»، والمؤكد هو أن كلا الفعلين، بيان وزارة الخارجية السعودية والخلاصة التي احتوتها برقية السفارة الأميركية بمسقط التي لم تكن هي الوحيدة بالتأكيد، قد يكونان كافيين لتشكيل ملامح الصورة التي ارتسمت بصدور البيان الختامي للقمة الذي صدر عنها يوم السبت الفائت.
أدان البيان «العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وجرائم الحرب والمجازر الهمجية واللإنسانية التي ترتكبها إسرائيل»، كما طالب «مجلس الأمن باتخاذ قرار حاسم وملزم يفرض وقفاً للعدوان ويكبح جماح سلطة الاحتلال الاستعماري التي تنتهك القانون الدولي والإنساني»، قبيل أن يدعو إلى «كسر الحصار على غزة وفرض إدخال مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية»، والمؤكد هو أن ذلك يمثل سقوفاً هي عند الحدود الدنيا مما هو مطلوب لنصرة شعب يتعرض لحرب تطهير عرقي تهدف في نهايتها إلى اقتلاعه من جذوره، بل والمؤكد أيضاً أن هذا الخطاب هو دون السقوف التي تتيحها القدرات التي يتمتع بها «المجتمعون» فرادى ومجتمعين، لكن ما فرض الفعل، أي الوقوف عند تلك السقوف المنخفضة، هو تنافر الحسابات بين المحاور والتراصفات الجديدة التي فرضها العديد من المتغيرات الحاصلة في غضون الأشهر القليلة الماضية، وكلها كانت تؤكد أن العمقين العربي والإسلامي لن يلعبا دوراً إسنادياً لما أرادته عملية «طوفان الأقصى».
بعيداً عن «القمة المشتركة» وبعيداً عن كل ما يجول في «الغرف المظلمة» لا تزال الكلمة الحاسمة للميدان الذي أثبت الفلسطينيون من خلاله أنهم أصحاب حق، وأن هذا الحق لا يموت.
كاتب سوري