لا أستطيع أن أكون محايداً إزاء ما يجري في قطاع غزة، وأيضاً في الضفة الغربية.
فما يجري هو بكلمات موجزة حرب إبادة حقيقية، وجرائم حرب تعاقب عليها كل القوانين والشرائع السماوية والأرضية.
من المهم جداً توصيف ما تقوم به إسرائيل سواء في غزة أم الضفة الغربية أو في لبنان، ولا أقصد الآن في هذه المرحلة وحسب، بل خلال عشرات السنوات، والبداية مع مطلع القرن العشرين الماضي بعد صدور وعد بلفور.
لا وصف نطلقه على ما تقوم به إسرائيل سوى كلمة «مجازر» أو مذابح ضد المدنيين العزّل.
ولو عدنا بالذاكرة إلى تاريخ المجازر الصهيونية التي تعرض لها الشعب الفلسطيني نجد أن أول مجزرة وقعت في مدينة حيفا عام 1937 عندما ألقى عناصر من تنظيمات صهيونية قنبلة على سوق المدينة، لتبدأ بعدها سلسلة من المجازر التي استهدفت قتل أكبر عدد ممكن من أبناء الشعب الفلسطيني بغرض تخويفهم وإرهابهم للهروب من بلدهم وأرضهم.
وكان لمدينة حيفا الحصة الأكبر من تلك المجازر إضافة إلى القدس ودير ياسين واللد والرملة وكفر قاسم وغيرها كثير.
لكننا نتوقف عند مجزرة قبية بشكل خاص لأنها كشفت السبب الحقيقي للمجازر الصهيونية السابقة واللاحقة.
من المعروف أن أرئيل شارون هو الذي قام بالمجزرة باعتباره قائد الوحدة 101 التي نفذت المجزرة بالمشاركة مع وحدة المظليين، لكن المهم أن نذكر أن المجزرة كانت بتوجيه وأوامر أول رئيس وزراء لإسرائيل دافيد بنغوريون الذي طالب صراحة بعملية قاسية ضد سكان قبية الواقعة في الضفة الغربية وتحت السيادة الأردنية حينذاك.
عندما اجتمع بنغوريون مع شارون عقب العملية ليثني على ما فعله قال جملته الشهيرة التي تفسر ما قامت به إسرائيل وما تقوم به اليوم وغداً: «إن بقاء إسرائيل أهم من صورتها أمام العالم».
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي حرفياً: «ما سيقال في العالم بشأن قبية قلما يهم، فالمهم هو كيف ستفهم في هذه المنطقة من العالم، منطقتنا، أعتقد أننا بفضلها سنتمكن من الاستمرار في العيش هنا».
هكذا كان يفكر ساستهم منذ البداية، ولنا أن نتخيل كيف يفكر العسكر وهم أحفاد المنظمات الإرهابية الصهيونية الأولى: شتيرن وهاغانا وبلماح وأراغون وغيرها، وهذه العصابات كانت في الأصل النواة الأولى التي تشكل منها الجيش الإسرائيلي.
يعتقدون أن المجازر تطيل عمر دولتهم غير الشرعية، وأنهم يضفون صفة الشرعية عليها من خلال تلك المجازر والزعم بأن جيشهم لا يقهر، وأنهم دولة لها جيش، لكنها جيش أقيمت له دولة، هذا الاعتقاد مجرد وهم، فالمقاومون في غزة والضفة ولبنان أكدوا لهم أن جيشهم يقهر ويذل، وأن دولتهم إلى زوال مهما تأخر هذا الزوال.