من دفتر الوطن

العنصرية الإلكترونية

| عبد الفتاح العوض

توماس كارليل يقول إن الرأي العام أكبر كذبة في التاريخ.. هذا الرجل عاش في القرن التاسع عشر فما يمكن أن يقال الآن عن كذبة الرأي العام؟

من يهتم أصلاً برأي الشعوب؟

إن اعتبرنا- وهو اعتبار صحيح- أن دول العالم الخامس لا يوجد فيها شيء اسمه احترام للرأي العام، بل يتم التغاضي عنه كما لو أنه غير موجود.. لكن ماذا عن الرأي العام في دول الديمقراطيات؟

الآن الصيغة الأكثر وضوحاً لقياس الرأي العام تتأتى من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت وإن كان فيها الكثير من التزييف… المجتمع العالمي الإلكتروني واضح في توجهاته بشكل عام.

في كل الأحداث المهمة عالمياً كان للرأي العام موقف ينسجم مع الاتجاه الإنساني الصحيح. لا يمكن للرأي العام أن يكون مع سفك الدماء ولا مع الحروب ولا مع قتل الأطفال ولا تدمير المشافي، وهذا ليس بسبب الموقف السياسي إنما من بوابة الفطرة البشرية والأخلاق الإنسانية.

الآن الرأي العام في العالم في شبه إجماع على أن ما يحدث ضد الإنسانية ومع ما وفرته سهولة تداول مقاطع الفيديو والصور والشهادات الحية جعل الدافع الإنساني في تشكيل الرأي العام العالمي يصبح أسهل.

أنهار المعلومات والحقائق شكلت وعياً جديداً عن حجم المأساة، وحجم المناصرة الإنسانية للشعب الفلسطيني أصبح أكثر وضوحاً.. لكن ما نتيجة ذلك على أرض الواقع؟

الذي يستمع للسياسيين وهم يتحدثون عن رفضهم لوقف الحرب يدرك أن الرأي العام كذبة ضخمة جداً، حتى من جانب المصلحة لم يعد السياسيون يهتمون بصورتهم في الرأي العام، لأنهم هم أكثر من يعرف أن مناصبهم ليست صناعة صناديق انتخابات، بل هي أسهم في بورصة السياسة.

كل التعابير التي تتحدث عن رأي الناس وموقف الشارع إنما هي مجرد أوهام في هذا العصر البشع.

وفوق ذلك هناك عنصرية في هذا العالم الإلكتروني… ممنوع إظهار الانتقاد لقتل الطفل الفلسطيني.. ممنوع أن تتعاطف مع شعوب محددة، لكن من المرغوب للمتحكمين بالعالم الافتراضي أن تذرف الدموع على قطة صهيونية!!

نظام الفصل العنصري الإلكتروني أصبح الآن فجاً ووقحاً..

لكن المفيد في هذه المرحلة أن يكتشف الكثيرون مدى عدم احترام الغرب للرأي العام ولحرية التعبير، إلا إذا كانت تتوافق مع مصالحهم ومصالحهم فقط.. منذ فترة وهذه الأكاذيب تنهار شيئاً فشيئاً.. بعد الآن فقط الحمقى والأغبياء الذين يصدقون كذبة احترام الرأي وحرية التعبير عند الغرب إلا للغربيين أنفسهم، بمعنى آخر حرية التعبير حق لهم فقط وليس للآخرين.

في نظام الفصل العنصري الفيسبوكي نحن الزنوج.. وهم أصحاب الدم الأزرق والشارة الزرقاء.

أقوال:

– بما أن رجل السياسة لا يصدق أبداً ما يقوله فإنه يفاجأ إذا ما صدقه أحد.

– العنصرية ليست مسألة موقف؛ ولكنها مسألة احتكار القوة.

– لدينا الحق في الاختلاف في الرأي، لكن لا يجوز الخلاف في الحقائق.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن