قضايا وآراء

«عض أصابع»

| منذر عيد

عدوان هستيري تشنه آلة القتل الإسرائيلية بكل أشكالها البرية والجوية والبحرية على المجمعات الطبية والمشافي في قطاع غزة، لينال مجمع الشفاء الكم الأكبر من الحقد والإجرام الصهيوني، ظناً من قادة الكيان أن قادة حركة حماس وتحديداً قادة «كتائب القسام» يتخذون من المجمع مقراً لهم، الأمر الذي نفته الحركة مراراً وتكراراً.

دفعت قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال اليومين الماضيين بكل جهودها العسكرية والإعلامية نحو مجمع الشفاء الطبي في غزة، وهذا يخفي أمرين أساسيين وراء ذلك، في الهدف الأول وهو العسكري، فإن قيام الاحتلال باستهداف المجمع بشكل مباشر، وضرب المنظومة الصحية فيه، وتقطيع الطرق الواصلة إليه، فإنما يأتي من دون أدنى شك كعملية انتقام من ذاك الصرح الذي يشكل عمدة المشافي الفلسطينية وكبيرها، بعد أن تحول إلى منبر الإعلام ومنتدى الصحافة الدولية والمحلية، والمركز الأول للجوء الفلسطينيين، الذين يظنون أنه المكان الأكثر أمناً، والمقر الطبي المحمي دولياً، والمصان بموجب القوانين من أعمال الحروب والقتال، والقصف والتدمير، لكنه للأسف لم يكن كذلك، من جراء انتهاك الكيان الصهيوني لكل الحرمات الإنسانية والتشريعية الدولية.

كما أن التركيز العملياتي العسكري باتجاه المشفى هو تثبيت للادعاء الصهيوني بأن المقاومة الفلسطينية وحركة حماس تتخذ من المشفى مقراً لها، وبذلك تحاول «شيطنة» المقاومة عبر اتخاذها المدنيين والمقار الطبية دروعاً لها، الأمر الذي يبرر للكيان ما يرتكبه من جرائم بحق المرضى والجرحى داخل المشفى، وهو ما دحضته منظمة «هيومن رايتس ووتش»، ورأت أن قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي سيارات إسعاف على مدخل مشفى الشفاء مطلع هذا الشهر، والتي زعمت إسرائيل أن عناصر حماس كانوا يستخدمونها، عمل غير قانوني، وطلبت التحقيق فيه باعتباره جريمة حرب، ذات الأمر أكده أمس الناطق باسم الهلال الأحمر الفلسطيني في غزة نافياً افتراءات الاحتلال بشأن استخدام المشافي لأغراض عسكرية، كما أن الاحتلال الصهيوني لم يقدم أدلة واضحة وملموسة على استخدام المنشآت الطبية لأغراض عسكرية، وكل ما قدمه هو صور وبيانات مزيفة، حتى إن لدى واشنطن، التي تدير الحرب في غزة، شكوكاً في مصداقية «تل أبيب» بوجود مركز قيادة وأنفاق تحت مجمع مشفى الشفاء في غزة.

وكذلك فإن ضرب المشافي في شمال القطاع وتدمير جميع البنى التحتية هناك، إنما هما محاولة لدفع أهالي الشمال بالنار إلى النزوح جنوباً لتنفيذ مخطط إسرائيل الأوسع وهو تهجير سكان غزة إلى خارجها، عبر القضاء على كل أسباب الحياة، ودفعهم إلى حل وحيد وهو الهجرة في ظل استمرار القتل الدائم وفقدان الماء والكهرباء والمشافي.

وفي جانب الحرب الإعلامية التي يركز عليها قادة الاحتلال، عبر التركيز إعلامياً والحديث المتكرر عن مجمع الشفاء، فإن ذلك يأخذنا إلى المخطط الأميركي خلال احتلال العراق وقيام واشنطن بدفع كل إعلامها للتركيز على مطار بغداد، ونشر حالة الوهم والإيهام بأن سقوط المطار يعني سقوط بغداد، الأمر الذي كان بالفعل، حيث تداعت قوة الجيش العراقي مع سقوط المطار ولم تمض سوى ثلاثة أيام حتى سقطت بغداد بأيدي قوات الاحتلال الأميركي.

وفي غزة الأمر ذاته، يحاول قادة الاحتلال الإسرائيلي التركيز على مجمع الشفاء، والعمل على إيهام الجميع، من خلال الضخ الهائل للأخبار عن المجمع والحديث المتكرر للقادة العسكريين بأن «الشفاء» هو الهدف الأول للمعركة وهو يمثل معقل غزة وسقوطه يعني سقوط غزة وانكسار المقاومة الفلسطينية، إلا أن الأمر بخلاف ذلك فـ«الشفاء» ليس غزة وسيطرة قوات الاحتلال عليه أو تدميره لا يعني سقوط القطاع أو تدمير المقاومة، وهو ما أكده أيضاً مدير معهد أبحاث الأمن القومي الجنرال الاحتياط في جيش الاحتلال الإسرائيلي إيتمار أيمان بالقول إن «الشفاء ليس نقطة هزيمة حماس، وإذا سقط الشفاء فلن تسقط حماس».

39 يوماً على «طوفان الأقصى» ومثلها على «فيض الإجرام الصهيوني» في غزة، 39 يوماً ارتسمت خلالها معالم المعركة، بل يمكن الحديث أنها باتت في خواتيمها، أقله في تطوراتها الدراماتيكية، قد تطول في عدد الأيام، لكن بالمنوال ذاته صمود للمقاومة، بل وامكانية الذهاب قدماً في دك مواقع جيش الاحتلال ومستوطناته لأشهر قادمة، يقابله قيام الكيان بمزيد من الإجرام والقتل والقتل والقتل في غزة، لتتحول الأمور إلى «عض أصابع» ليعلن من يصرخ أولاً نصر الثاني، وكل المؤشرات تؤكد أن فم الاحتلال الإسرائيلي لن يبقى مغلقاً طويلاً، فورقة الأسرى بيد المقاومة تشكل وجعاً كبيراً للمحتل، وهي ذاتها التي تشكل حلماً للفلسطيني في تحقيق ما يصبو إليه من تبييض السجون الإسرائيلية، وفرض شروط لاحقة كفك الحصار عن القطاع، ورسم معادلة جديدة في الصراع العربي- الإسرائيلي، وتعاطي المحتل مع شعب غزة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن