اقتصاد

شعـرة معـاوية أم ممارسات النقيب هزاع؟!

| د. سعـد بساطـة

في ستينيات القرن الماضي؛ قامت إدارة الشرطة بفرز النقيب (هزاع. م) إلى إحدى المحافظات السورية الكبيرة؛ معـاوناً لقائد شرطة المرور؛ وكان طيـّب الذكر نظيف ذات اليد؛ عملياً وميدانياً… فلا استمرأ الجلوس في مكتب مكيـّف؛ ولا اعـتمد كثيراً عـلى العـناصر!

جال صاحبنا في أرجاء المدينة؛ وأشرف بنفسه عـلى كل كبيرة وصغـيرة في شوارعـها؛ وكان- بحكم نشأته البدوية- جاداً.. واعــتبر المخالفة المرورية الجسيمة (قطع إشارة؛ تجاوز السرعـة. إلخ..) ممارسات خطرة يجب أن تتم معـالجتها بشكل عـنيف؛ أما رسم المخالفة التافه (5 ل.س في حينه- يعـادل بطاقة دخول للسينما) فلم يكن رادعـاً بنظره! هنا اعـتمد صاحبنا المعـالجة الميدانية للمخالفات تلك؛ فكان يوقف السيارة وينزل السائق المخالف من سيارته؛ ويرفعـه «فلقة» في الشارع ذاته مكان المخالفة؛ غـنيُ عـن القوال أن صيته ذاع… وبأسلوبه «اللطيف» انتظم المرور في المدينة؛ ولكن… في الوقت ذاته؛ كثرت الشكاوى المقدّمة إلى المحافظ وقائد الشرطة؛ وضج الناس بالشكوى؛ وفي النهاية صدر قرار بنقله لمهام أخرى في ناحية مغـمورة؛ وبذا طويت صفحة النقيب هزاع والأساطير التي تم تناقلها حياله.

مؤسساتياً: نرى بعـض المديرين؛ يستخدم أسلوب هزاع في مؤسسته في التعـامل العـنيف (لا برفع الفلقة طبعـاً) ؛ والمبررات كثيرة لست بحاجة لاستعـراضها: ولكن… نتساءل: هل هذا هو الأسلوب الأمثل؟

لعـل شعـرة معـاوية بن أبي سفيان انتشرت كعـبارة اصطلاحية؛ وقد أصبحت من الأمثال الدارجة على ألسنة الناس، حيث يُقصد منها الموقف المرن، الذي يتبدل بين اللين والشدة بناء على موقف الطرف الآخر، من أجل إبقاء الوضع في المنتصف. ومنشأ هذا المثل هو ما يُنسَب لأبي سفيان أنه حينما سئل كيف حكمت الشام أربعين سنة رغم القلاقل والأحداث السياسية المضطربة، قال: لو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، قيل: وكيف؟ قال: لأنهم إن مدوها خلّيتها وإن خلوا مددتها.

واحدة من أكبر الصعـوبات التي تواجه الإدارات في الشركات الناجحة هي السير على شعـرة رفيعــة ما بين مفهوم «الإدارة الحازمة» و«الإدارة الظالمة» بما تحمله كلتا الإدارتين من فرق هائل بينهما. الحزم الإداري مطلوب في أعلى مستوياته عـلى كل موظف من موظفي الشركة، أما لو اختلط هذا الحزم بمفهـوم «الظلم» فهذه الخطوة تعتبر بالنسبة للعديد من الشركات بداية النهاية.

الإدارة الظالمة تعني بالضـرورة ارتكاب الأخطاء معظم الوقت؛ وهي قائمة على مبدأ البتر لكل ما لا يعجب المدير على المستوى الشخصي، أو الإدارة العليا على المستوى الجماعي. إدارة قائمة على اتخاذ قرارات حاسمة من دون دراسة متأنّية، فتطلق قرارات بفصل الموظفين بغض النظر عن مستوياتهم الوظيفية، أو الإبقاء على موظفين آخرين لدواعي صلات شخصية أو إنسانية أو مصالح مشتركة حتى إن كانوا ضعفاء الكفاءة.

أما الإدارة الحازمة، فتعني التشدد في التطبيق المتماسك للمعايير العامة حتى لو كانت قاسية في جميع الأحوال وعلى جميع المستويات، بما فيها مستويات الإدارة العليا ذاتها. وبالتالي، وحتى في حالة توقيع قرارات قاسية أو اتخاذ إجراءات غير مُرضية للجميع، فإن هذه الحالة المتكاملة من الحزم تعني عدم وجود داعٍ للقلق من طرف الموظفين ذوي الكفاءة بخصوص مراكزهم أو طريقة إدارة أعمالهم، وبالتالي يمكنهم فقط التركيز بشكل كامل على أداء العمل كما ينبغي.

حكمة أبي سفيان سبقت نصائح نيكولا ميكيافيللي لأهم سلالة آل ميديتشي بقرون طويلة؛ حيث قال لحاكم فلورنسة (في كتابه الشهير «الأمير»): «البشر غير شاكرين، وهم متقلبون وكاذبون ومخادعون، وعادةً ما يهربون من المخاطر، ويطمعون بالمكاسب، ولذلك فمن الضروري للحاكم أن يوطـّد نفسه لأن يكون بمنتهى الحكمـة معهم».

إذا كانت للفيزياء قوانين ثابتة، فالإدارة لها أيضاً قوانينها ثابتة، أشهرها الآتي: لا توجد شركة تستطيع أن تنمّي عائداتها بصورة متماسكة إلا بقدرتها على توظيف الأشخاص الأكْفاء القادرين على تحقيق هذا النمو والاحتفاظ بهم. فإذا كان نموّ عائداتك يتخطىّ باستمرار معدل نمو كفاءة موظفيك، فحتماً لن تستطيع أن تبني شركة صاعدة!

في الختام: أستشهد بقول في الإدارة ينسب للإمام عـلي بن أبي طالب لمّا قال: «لا تكـن طرياً فتـُعـصر؛ ولا ليـّناً فتكسر».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن