في تموز عام 2018 كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن السلطات الإسرائيلية المختصة قررت إجراء تعديلات على التأمين الصحي والتعويض المالي ليس فقط للمستوطنين المصابين بجراح في أجسامهم جراء سقوط الصواريخ أو عمليات المواجهة مع المقاومة بل على كل مستوطن يصاب بالصدمة النفسية من سقوط صواريخ المقاومة على مستوطنته ومن هلعه عند سماع صفارات الإنذار قبيل سقوط الصواريخ واضطراره إلى الخروج من المنزل إلى غرفة الحماية الشخصية المحصنة، ووصف القرار هؤلاء بـ«المتضررين نفسياً هم وأبناؤهم الذين كانوا يتعرضون في كل مواجهة عسكرية مع الفلسطينيين لحالات الهلع والصدمات النفسية بسبب هروبهم من المنازل إلى الغرف المحصنة»، وسوف يتلقون بالتالي تعويضات حتى بعد توقف النار أي لما بعد تعرضهم لهذه الصدمات النفسية لأن عودتهم مع الأبناء لتوازنهم النفسي تطول، وهذا ما جعل عدداً متزايدا من المستوطنين يطالبون بتعويضهم بأثر رجعي عما أصيبوا به من صدمات نفسية قبل اتخاذ هذا القرار، وكان أكثر المستفيدين هم من مستوطنات غلاف قطاع غزة ومدينة عسقلان وأسدود بسبب سقوط الصواريخ على مناطقهم، ومع الجولة الجديدة لعمليات المقاومة في السابع من شهر تشرين أول الماضي، ازداد عدد هؤلاء المصابين إلى حد كبير وخاصة أثناء وبعد ترحيلهم من المستوطنات إلى مدن أخرى، وأصبح عددهم يزيد على مئات الآلاف، ففي مدينة إيلات في جنوب فلسطين المحتلة منذ عام 1948 وحدها يوجد ستون ألفاً ممن نقلهم الجيش إليها بعد عدم تحملهم للبقاء في مستوطنات غلاف قطاع غزة وتنطبق عليهم الإصابات النفسية، وفي الأسبوع الثالث لعملية طوفان القدس اعترفت مراسلة صحيفة «ذي ميركر» الإسرائيلية العبرية ميراف كوهين أن قسم إعادة التأهيل النفسي في وزارة الصحة الإسرائيلية حذر من نتائج عدم وجود ما يكفي من الأطباء المتخصصين بالعلاج النفسي وإعادة التأهيل، لأن هذه الحرب زادت عدد المصابين بالصدمات النفسية بشكل غير مسبوق واعترفت بازدياد عدد المصابين بشكل متسارع من دون إمكانية تقديم العلاج الفوري لهم، وذكرت نائب المدير العام في الوزارة رئيسة قسم إعادة التأهيل النفسي ليمور لوريه أن «نسبة المستوطنين الذين يتعرضون مع استمرار المعارك وسقوط الصواريخ ستزداد الإصابات بينهم كثيراً ويجب على قسم العلاج النفسي أن يعد نفسه لمهام غير عادية لعدد كبير من المصابين، لكن عدد الأطباء والمعالجين لا يكفي فنحن في بداية الحرب تلقينا يومياً 2400 طلب معالجة ولا يوجد ما يكفي من الأسرّة ومع استمرار الحرب ستتضاعف هذه الأعداد بشكل كبير».
وفي 14 تشرين الثاني الجاري ذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن وزارة الصحة بدأت تطلب متطوعين من أطباء العلاج النفسي لتقديم التأهيل النفسي لعشرات الآلاف من المصابين بالصدمات النفسية بسبب استمرار الحرب وسقوط الصواريخ والهلع الذي خلفه الفلسطينيون حين اقتحموا المستوطنات وأسروا عدداً من الجنود والمستوطنين، وعممت الوزارة أرقاماً كثيرة للاتصال بمراكز طارئة أعدتها للذين يصابون بالصدمات النفسية لكي تجري معالجتهم في بيوتهم أو في مراكز إعادة التأهيل النفسي، وتشير الصحيفة إلى أن المصابين بدؤوا يشكلون عبئاً كبيراً لأنهم من كل الأعمار، أطفالاً ونساء وشيوخاً، ويستغرق تقديم العلاج اليومي أو الأسبوعي لهم فترة زمن لا تقل عن أسبوعين أو أكثر وهو عبء يزيد كثيراً على عبء معالجة الجراح والإصابات التي تقع في الأجسام لأن معالجة معظمها قد لا يتطلب أسابيع كثيرة، كما أن المصابين بالصدمات النفسية قد تفكر نسبة منهم إذا بقيت من دون علاج كاف بمغادرة الكيان الإسرائيلي والعودة إلى الأوطان التي جاؤوا منها واستمروا بالاحتفاظ بجنسياتهم، وهؤلاء معظمهم من الأوروبيين وخاصة حين يشمل ذلك عائلات مصابة بصدمات نفسية تشل حياتهم لبضعة أسابيع وتؤثر في خياراتهم بين البقاء أو الرحيل للتخلص من دوامة الهلع والرعب وعدم الاستقرار الذي تفرضه الحروب.
ولهذه الأسباب، وخوفاً من هجرة معاكسة لم تظهر أرقامها بعد، تحاول الحكومة ووزارة المالية الإسرائيلية التغلب على هذه المشكلة بالإعلان عن تعويضات كبيرة لكل من يعد متضررا من هذه الحرب واستمرارها، وخصصت الوزارة ميزانية غير مسبوقة لإغراء المستوطنين وتسهيل الموافقة على كل من يعد نفسه متضرراً من إصابة نفسية أو من توقفت أعماله نتيجة الحرب وسقوط الصواريخ بل إن وزارة المالية أعلنت عن تعهدها بإعادة بناء كل وحدة سكنية استيطانية أو منزل أصابه الدمار أو الضرر، ولا شك أن كل هذه النتائج تؤكد على الهزيمة الداخلية التي لحقت بالكيان وبقوته البشرية الاستيطانية والعسكرية وانهيار الثقة باستمرار البقاء فيه.