قضايا وآراء

ماذا ينتظر قطاع غزة وأهله؟

| محمد نادر العمري

بعد دخول العدوان الإسرائيلي المفتوح على قطاع غزة شهره الثاني، هناك الكثير من الأسئلة التي باتت تطرح بقوة في ظل انسداد الأفق أو غياب مؤشرات حصول وقف إطلاق نار يشمل القطاع ويمهد لحل سياسي يفضي لوقف نزف الدم الفلسطيني الذي أصبحت مشاهدته شيئاً اعتيادياً على وسائل الإعلام.

أبرز الأسئلة التي أصبحت ملحة لدى صانعي القرار في المنطقة وغيرهم من المهتمين والباحثين المختصين في المجالين السياسي والعسكري، تكمن في: هل تحقق الانتصار بقطاع غزة؟ وهل نفذ العالم ولاسيما العالمين العربي والإسلامي ما يجب تنفيذه؟ وما السيناريو الأخطر الذي يواجه قطاع غزة بعد هذا الكم الهائل من الجرائم والمجازر التي تنفذ بحق الشعب الفلسطيني والتي أدت حتى إعداد هذا المقال إلى استشهاد نحو 12 ألف فلسطيني وأكثر من 30 ألف جريح؟

فيما يتعلق بالإجابة عن السؤال الأول، نعم لقد تمكنت المقاومة الفلسطينية من تحقيق إنجازين وانتصارين عسكريين، الأول عندما تمكنت هذه المقاومة من التخطيط والتنفيذ لعملية «طوفان الأقصى» وما نجم عنها من تكريس لقواعد اشتباك جديدة، والانتصار الثاني الذي أيضاً مازال حتى يومنا هذا مستمراً سواء فيما يتعلق بقدرة هذه المقاومة على الاستمرار في إطلاق الصواريخ على مستوطنات الأراضي المحتلة، وإدارة الحرب الميدانية لمواجهة الاجتياح البري وهو ما أدى لإيقاع خسائر بشرية ومادية دفعت قيادة الكيان العسكرية للاستعانة بمعدات عسكرية منسقة «ميركافا3» بعد تدمير العشرات من دبابات «ميركافا4» التي دخلت الخدمة منذ أقل من عام.

إلا أن هذا النصر لا يمكن أن يكتمل ويتحقق إن لم يتم وقف إطلاق نار شامل يحدّ من المجازر الإسرائيلية من ناحية، وإن لم يتم التوصل لاتفاق سياسي يحصن تضحيات الشعب الفلسطيني ويلبي مطالبه، وهنا لابد أن نكون واقعيين وموضوعين في هذه النقطة، حيث تمكنت حكومات الاحتلال الإسرائيلية بدعم الولايات المتحدة الأميركية من إفراغ كل الانتصارات العسكرية الإستراتيجية للعرب والفصائل المقاومة منذ حرب تشرين التحريرية من مضامينها وعدم السماح بالاستفادة منها في المجال السياسي، بما في ذلك انتصار تموز، إذ لم يكن القرار 1701 الذي اتخذه مجلس الأمن لمصلحة لبنان بالكامل، وخاصة من حيث دور «اليونيفيل» أو من حيث عدم وجود وسائل رادعة لخروقات قوات الاحتلال التي أجُبرت للانسحاب إلى ما وراء الخط الأزرق وفق هذا القرار.

وعليه فإن المقاومة الفلسطينية التي تواجه قوات الاحتلال ومن خلفه الدعم الأميركي الغربي بكل أشكاله، قطعت نصف الطريق أمام رسم معالم النصر، إلا أنها بحاجة لاستكمال هذا النصر وترجمته سياسياً، وهو ما يتطلب وحدة فلسطينية تقلص من استغلال المشاريع الإسرائيلية في تكريس الانقسام والتشرذم الفلسطيني، كما أن هذا النصر يتطلب وحدة الصفين العربي والعالمي في ظل التعنت الغربي في اتخاذ موقف حازم ضد الجرائم الإسرائيلية، وهذا الموقف العربي الإسلامي للأسف لم يصل للحدود الدنيا في المخرجات التي تضمنها مؤتمر الرياض الذي انعقد بعد أكثر من شهر من العدوان المفتوح على قطاع غزة، وهو ما يقودنا للإجابة عن السؤال الثاني: إذ لم تستطع قمة الرياض على الرغم من اجتماع 57 دولة بينها 22 دولة عربية، من اتخاذ موقف حازم وواضح يمكن توظيفه للضغط على الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية لإجبار الكيان المحتل على وقف عدوانه على أهالي القطاع، رغم أن هذه القمة نجحت في مشاركة معظم القوى والفواعل المتناقضة والمتخاصمة.

مخرجات القمة المزدوجة لبحث تطورات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وسط استمرار الحكومة الإسرائيلية ورئيسها بنيامين نتنياهو باتباع سياسة الأرض المحروقة وتنفيذ مخططها بإفراغ القطاع من مواطنيه وتهجيرهم في إطار ممنهج، برعاية ودعم غربي ولاسيما الأميركي منه، زادت من خيبات آمال الشارعين العربي والإسلامي على حد سواء وداخل الشارع الفلسطيني بشكل خاص، ولاسيما أن الدول العربية إضافة إلى الدول الإسلامية تمتلك القدرة والأدوات اللازمة للضغط والتأثير في الدول الغربية الداعمة للكيان الإسرائيلي، ولكن هذا التأثير كان يتطلب توافر الإرادة السياسية لهذه الدول وأنظمتها الحاكمة، إلى جانب تجاوز خلافاتها البينية التي شكلت وسيلة لزيادة التأثير الأميركي في طبيعة العلاقات بين هذه الدول.

أبرز أدوات التأثير تكمن في الجانب الاقتصادي، وخاصة عندما ندرك أن معطيات عام 2022 سجلت رقماً يتجاوز 121 مليار دولار، لحجم التبادل التجاري بين 17 دولة عربية مع الولايات المتحدة الأميركية، وهو ما يجعل أي تلويح بالمقاطعة الاقتصادية مع الغرب عموماً ومع الولايات المتحدة بشكل خاص، ذا وقع وتأثير على اقتصاد هذه الدول، كما أن أكثر من 32 بالمئة من النفط العالمي يتم استخراجه وإنتاجه من الدول العربية، وهو ما سيكون له انعكاسات كبيرة على الأسواق العالمية في حال تخفيضه أو التلويح بوقف إنتاجه وتصديره، في ظل تعطش العالم للنفط العربي بعد تفاقم الصراع الأوروبي مع روسيا في أوكرانيا ومع اقتراب دخول فصل الشتاء، مع التأكيد أن هذه الأرقام فقط تخص الدول العربية وحدها، فضلاً عن ذلك فإن الدول العربية والإسلامية تقع في مناطق جغرافية مهمة بما في ذلك مضائق باب المندب وهرمز وقناة السويس وغيرها، وأي تهديد بإيقاف العمل ضمن هذه المناطق، سيخلق فوضى في الاقتصاد والتجارة الدوليين.

في السياق ذاته فإن الدول العربية والإسلامية في الحد الأدنى كان بإمكانها اتخاذ قرار سياسي بإلغاء أو تجميد كل مسارات التطبيع التي حصلت مع الكيان الإسرائيلي وطرد سفرائه بعد هذا الحجم الهائل من الجرائم التي ما كانت لتحصل بهذه البشاعة لولا التقاعس العربي، وهو ما ألمح إليه الرئيس بشار الأسد بقوله: «العدوان الأخير على غزة هو مجرد حدث في سياق طويل يعود إلى خمسة وسبعين عاماً من الإجرام الصهيوني، مع اثنين وثلاثين عاماً من سلام فاشل، نتيجته الوحيدة المطلقة غير القابلة للنقض أو التفنيد هي أن الكيان ازداد عدوانية والوضع الفلسطيني ازداد ظلماً وقهراً وبؤساً».

بينما الإجابة عن السيناريوهات الأكثر خطورة فيما يتعلق بمستقبل غزة، يمكن استنباطها من خلال:

أولاً- رفض الولايات المتحدة وقفاً فورياً لإطلاق النار في قطاع غزة، وتبني واشنطن فقط لما يسمى الهدن الإنسانية التي كان آخرها إعلان البيت الأبيض موافقة الكيان الإسرائيلي على هدن إنسانية لمدة أربع ساعات، في مناورة إسرائيلية أميركية مشتركة لغايات عدة، قد يكون جزء منها محاولة امتصاص غضب الرأي العام العالمي وتخفيف حدة الضغوط الممارسة على الولايات المتحدة الأميركية من قبل أنظمة وقوى دولية بشكل أساسي، وكذلك في محاولة أميركية لاحتواء أي تصعيد قد يحصل على مستوى المنطقة، وما يؤكد أن هذا الإعلان هو مجرد مناورة إعلامية تحقق المصالح الإسرائيلية فإن ذلك يمكن ملاحظته في:

• من أعلن عن هذه الهدنة هي الولايات المتحدة الأميركية التي تبنت الرؤية الإسرائيلية في استبعاد أي احتمال لوقف إطلاق النار، وهذا الأمر لا يلزم الكيان الإسرائيلي الذي قد يخرق هذه الهدنة في أي توقيت بذرائع متعددة.

• الهدنة حددت بأربع ساعات فقط وشملت فقط مناطق الشمال، أي إنها غير شاملة ولا توقف العمليات في كل مناطق القطاع، وهو ما يعني تصعيداً مستمراً في وسط وجنوب القطاع، كما أن المساعدات لا يمكن أن تصل للشمال في ظل عدم شمولية الهدنة، فالتوقيت القليل لا يساعد في إيصال المساعدات من رفح بالجنوب ومن ثم الشمال وتوزيعها.

• الهدنة تخللها فتح معابر إنسانية لإخراج أهالي الشمال باتجاه الجنوب، وهو ما يعيدنا لوثيقة وزارة الاستخبارات الإسرائيلية التي قدمت مشورة لحكومة نتنياهو باتباع ثلاث خطوات لطرد أهالي غزة باتجاه سيناء تبدأ بترحيل أهالي الشمال، كما أن الكيان سعى من خلال هذه المعابر إلى إلقاء القبض على أهالي غزة لاستجوابهم حول نقاط تمركز المقاومة في الشمال.

ثانياً- التصريحات الأخيرة للمسؤولين الصهاينة التي كان أبرزها، منشور وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش على منصة «إكس» التي جاء فيها: إن الهجرة الطوعية لسكان قطاع غزة إلى دول العالم هي الحل الإنساني الصحيح»، بالتزامن مع المقال المشترك الذي كتبه عضوا الكنيست داني دانول عن حزب الليكود ورام بن بارك عن حزب «هناك مستقبل» في صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية والذي اقترحا فيه أن تستقبل دول الغرب والعالم لاجئي غزة وإعادة توطينهم، مضيفان إن المنظمات الدولية يمكن أن تلعب دوراً مركزياً في نقل سكان العالم التي ترغب باستقبالهم، ورأى المذكوران أنه يمكن للمجتمع الدولي أن يقدم حزماً مالية لمرة واحدة من أجل تسهيل تأقلم اللاجئين في مجتمعاتهم الجديدة.

ما ورد سابقاً لا يمكن عده تصريحات فردية بل هي تصريحات تعبر عن مداولات موجودة خلف الكواليس لخطط بديلة ومتفق عليها وقد تكون قيد التداول مع الدول الغربية، ومن طرحها عضوان من الكنيست ذوي ايديولوجية متناقضة، ولكنهما اتفاقاً في مقالتهما على هدف تهجير أهالي قطاع غزة، وهو الهدف الذي لم يكن خفياً بل طرح على مصر، ولكن بعد رفض الأخيرة لهذا المشروع، تم طرح هذا المشروع ضمن الإطار الدولي، لذلك فإن ما تحتاجه غزة ليست المساعدات، وطرح مشروع الدولتين وغيره اليوم ليس سوى محاولات لكسب الوقت، ما تحتاجه غزة ومقاومتها وأهلها هو الدعم المستمر والحماية المطلقة والموقف الصلب وإلا فإن أمر الواقع الإسرائيلي قد يُفرض ميدانياً وستكون نتائجه كارثية.

كاتب سوري

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن