لم يكن كثيرون في منطقتنا يدركون خطورة وأهمية الإعلام في الحرب الدائرة على وعي شعوبنا وأبنائنا وأجيالنا، وعلى الرغم من حجم التزوير والتضليل الذي اتبعته وسائل الإعلام الغربية في «الغرب الجماعي» طوال عقود من الزمن لتقديم نفسها على أنها بلدان تؤمن بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وتقاتل في أربع جهات الأرض من أجل نشرها وتطبيقها، حتى لو بالقوة العسكرية، منطلقة من كذبة لا تزال تروجها بأنهم مجتمعات ودول تؤمن بالديمقراطية وحرية الرأي، لكن أي مدقق ومتابع وباحث، سيكتشف زيف هذه الإدعاءات، وخذلانها لكثيرين ممن روجوا وصرعوا رؤوسنا بهذه العناوين البراقة، والشعارات الزائفة.
إن تدقيقاً بسيطاً سيكشف خداع هؤلاء المحتالين والمزورين، الذين لا يرف لهم جفن حينما يقفون أمام وسائل الإعلام، وهم يكذبون، ولقد كتبت في الأسبوع الماضي عن «وصمة العار» كما سماها كولن باول بشأن غزو العراق، و«كذبة القرن» كما سمتها الصحافة الأميركية آنذاك.
الآن يقرر الكابينت الأمني- السياسي الصهيوني إغلاق مكاتب قناة «الميادين»، لأنه رأى في تغطيتها اليومية خطراً على الأمن القومي للكيان، لكن هذا الخطر لم يكن إلا الحقيقة العارية- الصارخة لكيان تجاوز كل حد في إجرامه وساديته ونازيته، وتجاوز ما مارسته الهتلرية في الحرب العالمية الثانية، وأما تكميم الأفواه، وعيون الكاميرات، وأصوات المراسلين من خلال قتلهم، واغتيالهم، وتهديدهم وصولاً لتصفية عائلتهم، ليس إلا برهاناً جديداً على أن هذا الكيان يشعر بالخطر الوجودي على بقائه على الرغم من الأساطيل والبوارج والغواصات، ومخازن الأسلحة التي تفتح، وإمبراطوريات الإعلام المسخرة لحسابه وأكاذيبه، ومع ذلك يخاف ويرتجف، والسؤال هنا: لماذا ترتجفون أيها الصهاينة؟ هل لأن قناة «الميادين» عرّت ممارساتكم وسلوككم الحقيقي بعد سقوط الأقنعة التي عملتم عليها عقودا من الزمن، عقوداً من التضليل والكذب والخداع.
لا يقف الأمر عند إغلاق مكاتب «الميادين» في الأراضي المحتلة، بل وصلت عنجهية، وغطرسة، ووقاحة هذا الكيان العنصري إلى حد قتل أكثر من 46 صحفياً في قطاع غزة، وتهديد آخرين بشكل مباشرة لثنيهم عن كشف حقيقة ما يجري من مجازر، وإبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني وهي مجازر مستمرة، ليس في قطاع غزة على وحشيتها ودناءتها وفظاعتها، ولكنها أيضاً في كل بقعة من فلسطين في الضفة الغربية والقدس، وأراضي فلسطين الـ48، وفي كل مكان من أراضينا المحتلة، حيث يشعرون بالمقاومة ولو بالكلمة أو الشعر أو الثقافة أو التراث، لأن كل ذلك يُخيفهم ويرعبهم.
ترعبهم الآن وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تنتقل الصورة والمعلومة، وأعداد الشهداء، وصور الأطفال والنساء، وكلام المسؤولين الصهاينة عن قطع الكهرباء والإنترنت والطعام والوقود، وعن اقتحام المستشفيات، والإجهاز على الجرحى، وصور الأسرى الفلسطينيين عراة حفاة يتعرضون للإهانة والتنكيل، أمام العالم أجمع، والفيديوهات المتتالية بلغات العالم المختلفة، التي تعبر عن انكشاف وسقوط أساطير الدعاية الصهيونية المدعومة من النخبة العولمية الرأسمالية، إذ قالت إحدى المواطنات الأميركيات: إنه يُحظر انتقاد إسرائيل في 26 ولاية أميركية، في حين يمكن انتقاد السلطات السياسية والإدارية الأميركية، وهي تطرح هذا السؤال باستغراب وتسأل لماذا؟
الحقيقة أن المرتكب والمجرم والمزور، والمضلل يسعى بكل الوسائل لإخفاء وجهه البشع، ويحاول بكل ما أوتي من قوة الاستمرار بنفس الطرق والوسائل القديمة، والقول إن إسرائيل كيان ديمقراطي في محيط من العرب والمسلمين المتخلفين الذين يريدون القضاء عليه، وإنه يواجه التطرف الإسلامي ممثلاً بحركات حماس والجهاد الإسلامي، وكأن قضية فلسطين غائبة هنا، كقضية عادلة محقة، تحظى بآلاف القرارات الدولية والأممية، ومن هنا فإن العودة لخطاب الرئيس بشار الأسد في القمة العربية- الإسلامية الأخيرة في السعودية مهم للغاية لتصويب البوصلة، حيث أكد على جملة قضايا مهمة للغاية منها:
1- إن القضية المركزية هي قضية فلسطين، وما يحدث في قطاع غزة ليس إلا تجسيداً لجوهر هذه القضية، وتعبيراً صارخاً عن معاناة الشعب الفلسطيني.
وعندما نركز على هذه النقطة نخرج الجدل والنقاش من الدائرة التي يريد الكيان والغرب إيقاعنا بها، إذ تركز وسائل الإعلام الغربية والصهيونية في خطابها الموجه على حركة حماس، ولا شيء آخر وتركز فقط أن الصراع فقط بين حماس وإسرائيل! ولا تستخدم اسم الشعب الفلسطيني، أو أن الصراع بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، لأن المقاومة هنا ليست تنظيماً سياسياً بعينه، وبلونه الأيديولوجي، إنما هي مقاومة كل الشعب الفلسطيني من غزة إلى الضفة إلى القدس، من الجوامع إلى الكنائس، إلى المدارس والجامعات، إلى كل مكان.
إن مصلحتنا في القول إنه ليس صراعاً بين مسلمين ويهود، إنما بين مقاومة ومحتل، بين مقاومة مستمرة منذ 75 عاماً وأكثر، ومشروع صهيوني استيطاني إحلالي، هذا هو جوهر الصراع، أي قضية فلسطين، وقضية شعب يناضل ضد محتل فاشي- عنصري.
2- إن المزيد من الوداعة العربية تساوي المزيد من الشراسة الصهيونية تجاهنا، وإن المزيد من اليد الممدودة من قبلنا تعادل المزيد من المجازر بحقنا.
أي إن كل ما سمي اتفاقيات سلام ومفاوضات، ولجان دولية وغيرها، لم تكن إلا مضيعة للوقت، ومزيداً من الاستيطان، والتوسع على حساب ما تبقى من الأرض الفلسطينية، وخاصة أن الحديث عن السلام، وحل الدولتين، وغير ذلك لن يثمر شيئاً لأسباب موضوعية:
لا وجود لشريك: لأن إسرائيل لا تريد السلام، ولا تبحث عنه إلا بالخطابات.
لا وجود لراعٍ: لأن الولايات المتحدة ليست راعياً لعملية السلام، وليست وسيطاً، بل هي داعم علني لإجرام الكيان، وشريك في هذه الجريمة.
لا مرجعية ولا قانون: أي إن أي حديث عن السلام يحتاج لمرجعية، والمرجعيات ما تزال غامضة غير واضحة، إضافة لعدم احترام القانون الدولي من الأطراف التي تدعي دعمها للسلام المزعوم.
ملخص ذلك: إنه لا إمكانية لاستعادة حقوقنا ما دام المجرم أي كيان الاحتلال، وداعموه في الغرب، هم القضاة الذين سيحكمون لنا بحقوقنا، ومادام أن اللص، أي أميركا والغرب الجماعي الذين ينهبون ثروات المنطقة بما فيها سورية هم الحكام الذين سيقرون لنا حقوقنا.
3- إن الاستمرار على المنوال نفسه في لغة القمم، وبياناتها لن ينتج ثماراً للشعب الفلسطيني أبداً، أي كلما قتل الصهاينة أكثر تقدم المعونات، وكلما ارتكب مجازر أكثر نقدم المساعدات، وكلما شن اعتداءات علينا نصدر البيانات!
والحل هو الأدوات السياسية: من خلال استثمار ما أنجزته المقاومة الفلسطينية الباسلة، والتغييرات في الرأي العام العالمي والدولي، وممارسة شتى أنواع الضغوط من خلال وقف هذا المسار السياسي الذي يراه البعض طريقاً لثني إسرائيل عن عدوانها، وإجرامها في حين أنه ليس إلا طريقاً يزيد إسرائيل صلفاً وعنجهية وقتلاً وتشاوفاً واستعلاءً على الجميع بما فيها أولئك الذين يرون أن سكوتهم عن جرائمها سيخدمهم.
ليتذكر الجميع أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرئيل شارون قال بعد قمة بيروت العربية عام 2002 إن مبادرة السلام العربية لا تساوي قيمة الحبر الذي كتبت فيه، وذهب لارتكاب مجزرة في مخيم جنين.
إن إسرائيل كيان قائم على الاحتلال والتوسع والاستيطان، وهذا الكيان لن يتوقف في فلسطين، بل عينه على كل الوطن العربي، وإسقاط هذا الحلم الصهيوني لن يكون إلا بالمقاومة الجماعية، المسلحة والسياسية والثقافية والإعلامية، وفي كل مكان.
هل عرفتم الآن لماذا يخافون من الكلمة والصورة ومن الإعلام، ومن كلمة الحق، وهل عرفتم الآن لماذا يخوضون الحرب على سورية وشعبها ورئيسها منذ 12 عاماً؟ وهل لكل ما حدث في سورية علاقة بالديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان؟ وهل رأيتم كيف يغلقون عيونهم ويصمّون آذانهم عندما يتعلق الأمر بفلسطين وقضيتها العادلة، وعندما يتعلق الأمر بسورية وموقفها الواضح جداً تجاه فلسطين ونضال شعبها، ودعمها لمقاومته الباسل، هنا يكمن سر العداء لسورية!
كاتب سوري