ثقافة وفن

مهرجانات ومعارض غابت!!

| إسماعيل مروة

في بداية تعلقنا بالحياة الثقافية كنا نشهد مهرجاناً من أهم اللقاءات الثقافية آنذاك في سورية «مهرجان دمشق المسرحي» وهذا المهرجان عزز وجود المسرح في سورية، إذ كان المسرح القومي يعد المسرحيات اللائقة لتكون في منافسات المهرجان، وفي هذا المهرجان كان المسرحيون العرب يحضرون ويتنافسون من صقر الرشود إلى مسرحيي مصر وتونس ولبنان، وفي دوراته الأخيرة كان مهرجان دمشق المسرحي العلامة الأولى بين اللقاءات المسرحية العربية، وفجأة توقف هذا المهرجان، وشكل توقفه خسارة كبيرة ثقافية وسورية، ومهما كانت الأسباب، فغيابه مثّل نكوصاً ثقافياً خطيراً لم ندركه في حينها، فإن كان لندرة المسارح، فإنه كان بالإمكان أن يتم ترميم المسارح وتجهيز مسارح أخرى، وكنا كسبنا عدداً من المسارح المهمة بدل أن يتم الاستغناء عن المهرجان!

واليوم تشارك الأعمال المسرحية السورية في لقاءات ومهرجانات وتحصد الجوائز، ما يؤكد ضرورة هذا المهرجان، ومن الضروري إعادة إحياء هذه التظاهرة لما تشكله من صحوة للمسرح والثقافة، وما يمكن أن تسهم به من إسهامات فكرية على المستوى الشعبي والجماهيري والنخبوي، إضافة إلى ما يمثله من حافز للفنانين السوريين الذين يملكون القدرة على تحقيق نهضة مسرحية.

وبالمحصلة خسرنا هذه التظاهرة الثقافية، وما من واحد يسأل عنها وعن دورها، وعن ضرورتها الإبداعية والاقتصادية والسياسية، ومثل هذا المهرجان لا يخضع لمعايير السائد في السياسة.

وكانت دمشق تحتفل بالفن السابع في مهرجان دمشق السينمائي وعاصرت عدداً من دوراته، وعملت في دورتين من دوراته، وهذا المهرجان كان مختلفاً بكل شيء، فضيوفه العرب والأجانب غاية في الأهمية، ويكفي أن نذكر أن أهم الفنانين والكتاب والمخرجين على المستوى العالمي حضروا إلى سورية، وكان هذا المهرجان يعد بإتقان وفي فعاليات عديدة، ضمن المسابقة، وتظاهرات عديدة فكرية وتجارية واقتصادية، ولكن ظروف الحرب على سورية أوقفت هذه المهرجان في عزّ تألقه وتحوّله إلى مهرجان دولي، وأذكر محاولات لإحيائه وإعادة انعقاده، لكن ظروفاً حالت دون ذلك، منها المقاطعات التي فرضت على سورية، وغياب الفنانين العالميين عن الحضور والتجاوب مع الحضور إلى سورية، وهنا خسرنا الترميم والإعداد لصالات السينما السورية الحكومية والخاصة التي كانت تستعد للمهرجان.. وأزعم أنه بالإمكان إعادة إحياء هذا المهرجان تدريجياً ولو بإسهامات عربية ليعود وينطلق في آفاقه الدولية، وعلى صعيد الفن، كنا نشهد التباري بين المخرجين والفنانين لتجهيز أفلام تليق بالمهرجان ودمشق سواء كان الإنتاج من سينما المؤلف أم سواها، وقد أنتجت في إطار المنافسة والمهرجان أفلام مهمة وذات قيمة، وحصدت الجوائز داخل سورية وخارجها، والمهرجان يمكن أن ينعش الصناعة السينمائية.

وفي غمرة الحرب على سورية كانت الخسارة الكبرى في معرض الكتاب الدولي في مكتبه الأسد الوطنية، هذا المعرض الذي شاركت فيه كبريات الشركات ودور النشر، وكان يترافق بندوات عديدة ومناقشات وأمسيات لأدباء ومفكرين من داخل سورية وخارجها.. توقف المعرض لظروف الحرب القاسية، ولكننا شهدنا انعقاد أكثر من دورة من معرض مكتبة الأسد وشارك عدد من الباحثين المهمين، وربما كان للظرف الاقتصادي الدور المهم في توقف هذا المعرض، فتم الاكتفاء بمعرض للكتاب السوري لأكثر من دورة، ولا ندري إن كان هناك دورات للكتاب الدولي أو العربي أو السوري مع أهمية ألا يكون محلياً.

لم يكن من شك في أن معرض الكتاب الدولي تحول في سنوات قليلة إلى معرض دولي له تقاليده المهمة، وجاءته أهم الدور في الوطن العربي والعالم.. ومع الحرب على سورية توقف معرض الكتاب الدولي الذي كان من أهم علامات الثقافة في سورية والمشرق، واستضاف في ندواته وردهاته نخبة من أهم الكتاب والمبدعين في العالم، وإلى اليوم لا يزال هذا المعرض متوقفاً لأسباب كثيرة نعرف بعضها ونقدّره، وبعضها الآخر لا يخضع للمعايير التي يختلقونها، فمنهم من يتحجج بان الوضع الاقتصادي لا يسمح وبأن الناس تريد الطعام ولا تريد الكتاب والثقافة، ومن الأسباب ارتفاع التكاليف على الدولة.

فبعد أن كان معرضاً دولياً يملأ الآفاق تحول إلى معرض محلي ضيق، ثم تمّ إلغاؤه كما أعتقد.

هذه التظاهرات والمهرجانات لا تخضع لمعايير الربح والخسارة، وليس من حقنا أن نتنازل عن هذه التظاهرات لأي سبب كان.. وعلينا أن نخلق البيئة المناسبة لبقاء الحد المقبول لتصدير ثقافتنا وفننا وكتابنا..

ضيق ذات اليد لا يمنعنا من العلم والتعلم وارتياد الآفاق.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن