المشهد الإستراتيجي المتحوّل في الشرق الأوسط
| أنس وهيب الكردي
مع إطلاق الصين رؤيتها للعلاقات مع الدول العربية، تكون بكين آخر القوى العظمى المعبرة عن إستراتيجيتها المحدثة للشرق الأوسط، الذي حصلت تغييرات كبرى على معالم المشهد الإستراتيجي فيه.
سمح «الربيع العربي» في مرحلته الأولى للغرب بتطبيق إستراتيجيته للمنطقة القائمة على «نشر الديمقراطية». امتصت روسيا والصين الاندفاعة الغربية في المنطقة الممتطية لأجنحة الديمقراطية والقوى الإسلامية. وعد الروس والصينيين ألا تتكرر الخديعة الليبية في سورية. تلاشت الاندفاعة الغربية مع تكشير الإرهاب عن أنيابه.
وانتزعت المسألة الإيرانية الاهتمام الدولي من أحداث «الربيع العربي»، منذ التوصل إلى الاتفاق النووي المؤقت في تشرين 2013. فهمت القوى الكبرى المعاني الثورية للاتفاق. ظهر لهذه القوى أن العلاقات الأميركية الإيرانية دخلت مرحلة جديدة كلياً بغض النظر عن الديناميكيات الداخلية في طهران وواشنطن. بناء على ذلك، عدلت تلك القوى إستراتيجيتها. فمع اقتراب إيران من الخروج إلى الساحة الدولية، قوة إقليمية عظمى، كما عمدها أوباما، لا بد من صياغة إستراتيجيات جديدة لمنطقة مهمة على الصعيد العالمي.
روسيا خلصت إلى تعزيز وجودها العسكري في المنطقة انطلاقاً من شرق المتوسط والساحل السوري. عاكس الكرملين النهج الأميركي في محاربة الإرهاب داخل الأراضي السورية، وركز في العملية التي أطلقها هناك، على القضاء على الإرهاب «بالاستناد على الشرعية الدولية». بطبيعة الحال، حشدت روسيا شركاءها في مجموعة «البريكس» ومنظمة شنغهاي وراء موقفها في سورية.
ألمانيا، أيضاً، قررت أن الوقت قد حان للانخراط في شؤون الشرق الأوسط، كرافعة لدورها على الساحة الدولية. لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، أرسلت ألمانيا قواتها في مهمة في الخارج، للعمل ضمن التحالف الدولي لضرب داعش في سورية. القرار كان كبيراً بالفعل، وبرلين أرادت أن تقول للعالم إنها أكثر ثقة بنفسها وبأهليتها لتحمل مسؤولياتها الدولية. بالطبع، تتمسك فرنسا وبريطانيا بمحاولاتهما للعب أدوار، ولو كانت ثانوية، في المنطقة. ومع الانخراط الصيني وما سيتبعه، ستجاهد الدولتان الأوروبيتان الاستعماريتان، كثيراً، للمحافظة على دورهما، الضئيل، على الساحة الشرق أوسطية.
اختارت الصين مطلع العام الحالي لتعلن عن إستراتيجيتها العربية. لأول مرة تعبّر بكين عن اهتمام كبير بمنطقة كانت شؤونها تدار من واشنطن مباشرةً لأكثر من عقدين من الزمن بعد سقوط الاتحاد السوفييتي. الاهتمام الصيني المستجد مرتبط بمشروع استعادة طريق الحرير التاريخي. الربط بين آسيا وأوروبا عبر «حزام» يمر بالشرق الأوسط هو جوهر الخطة الجيوسياسية الصينية. إيران والعراق وسورية وتركيا على هذا الطريق، ولا بد من تحقيق الاستقرار لهذه الدول، ودعم علاقات التعاون بينها.
ومع استعداد الصين لبناء مواقعها في المنطقة، من المحتمل أن تنزلق خلافاتها التقليدية في شرق آسيا وجنوب آسيا إلى الشرق الأوسط.
المبادرة الصينية مطلع العام، جاءت بعد إعداد ومراقبة، استمرا لأكثر من عام. وعلى الأرجح أن تلحق بالصين، كل من الهند واليابان. لكم أن تتخيلوا الشرق الأوسط، وقد بات مسرحاً للعب قوى كبرى «مليارية» من رتبة الصين والهند، إضافة إلى كل من اليابان وألمانيا وروسيا. هذه اللعبة الكبرى في الشرق الأوسط ستكون تحت رقابة العين الأميركية.