قضايا وآراء

ليست دفاعاً عن النفس إنمنا جرائم إبادة جماعية

| الدكتور قحطان السيوفي

الغرب الأميركي الأوروبي يرى أن من حقه السيطرة على الآخرين؛ ويرى هذا الغرب، أن مقولة ما يسميه بالديمقراطية، تعطيه الحق بأن يكون فوق قوانين وثقافات الآخر، والحق في ظلم واستعمار الآخرين.

تاريخ هذا الغرب يشهد بأن معظم وأكبر الحروب والمعارك وأكثرها دموية في العالم المعاصر كان وراءها ونفذها وارتكبها الغرب «المتحضر»، ولذا فهو أكبر قاتل في العصر الحديث، وحكومات الغرب هي التي اخترعت ودعمت وشجعت التنظيمات الإرهابية كالقاعدة وداعش وغيرها.

الغرب هو الذي أطلق وعد بلفور لتعد بريطانيا، التي لا تملك، الصهيونية العالمية بأن تحتل فلسطين العربية، وأقامت فيها ما سمي بدولة إسرائيل التي مارست الإرهاب والقتل الجماعي والتهجير لسكان فلسطين العرب الأصليين على امتداد 75 عاماً، وكان ذلك بدعم من الغرب الاستعماري، وعندما انتفض سكانها دفاعاً عن حقوقهم المسلوبة اتهمهم الغرب بالإرهاب، وحاول ويحاول أن يسوغ للصهاينة أعمالهم الإرهابية بشتى أصنافها، وعندما يدافع الفلسطينيون عن حقوقهم وأراضيهم التي تستولي عليها إسرائيل لتقيم عليها المستوطنات، يبادر الإعلام الغربي لاتهام الفلسطينيين بالإرهابيين، فقط لأنهم يدافعون عن حقوقهم المسلوبة التي تقرها المواثيق الدولية، كما تقوم الحكومات الغربية وإعلامها بتسويغ أعمال إسرائيل الإرهابية الإجرامية بحق الشعب الفلسطيني من قتل وتدمير وسرقة أراض وانتهاك لحقوق السكان الأصليين، إلى أن جاءت العملية الفدائية للمقاومة الفلسطينية في السابع من تشرين الأول 2023، وبدأت العملية العسكرية الإسرائيلية الهمجية ضد قطاع غزة حيث استباحت إسرائيل قواعد القوانين الدولية فقطعت الماء والكهرباء والمواد الغذائية والوقود عن قطاع غزة، ودمرت المستشفيات والمراكز الصحية والمساجد والكنائس، وقتلت المدنيين العزل وتجاوز عددهم إثنا عشر ألفاً منهم ما يقرب خمسة آلاف طفل، لتأتي حكومات الغرب الأميركي الأوروبي وتسوغ العدوان الإسرائيلي على غزة بما يسمى «حق الدفاع عن النفس»، ويتجاهلون الحصار الكامل على مليونين وثلاثمئة ألف إنسان فلسطيني يعيشون في غزة المحاصرة منذ أكثر من 16 عاماً لتبدأ إسرائيل حربها عليهم وإذلالهم بالجوع والعطش والحرمان من أبسط متطلبات الحياة وإبادة جماعية.

وخرقت إسرائيل القانون الدولي في واجبات ومسؤوليات المحتل؛ فدمرت المستشفيات وحولتها لمقابر جماعية، وكل ذلك تحت شعار حق الدفاع عن النفس.

لقد تجاهلت حكومات الغرب الأميركي الأوروبي المتحضر أعمال إسرائيل ككيان يمارس إرهاب الدولة في الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة من تنكيل وقتل ومصادرة أراضي الفلسطينيين وتوسيع الاستيطان وتهويد القدس، وهذه الحكومات دعمت العدوان الإسرائيلي على غزة ولسان حالها يقول: لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها وفق رؤيتها ولو على أشلاء آلاف الفلسطينيين ومعظمهم من الأطفال، وليس للفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين، الحق في رفض ومقاومة الحصار والاستيلاء على الأراضي وتوسيع المستوطنات وفرض الأمر الواقع.

في هذا السياق، جاءت وتجيء أحاديث ساسة من الغرب الأميركي الأوروبي ممن يتبنون، حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وينتقدون فيها الفلسطينيين على مقاومة الاحتلال الذي أقرته القوانين الدولية، ويطلق عليه داعمو إسرائيل ما أسموه بالعنف والإرهاب، والواقع يشير إلى أن الحكومات الغربية تغض الطرف عن تصرفات الإسرائيليين المخالفة لقواعد القوانين الدولية في الأراضي المحتلة، والتي تهدف إلى تثبيت الهيمنة الإسرائيلية، ويساندون دولة الاحتلال الإسرائيلي في تصرفاتها ما يساعدها في الحصول على تنازلات من الفلسطينيين عن بعض من حقوقهم، والرضوخ واللجوء فقط إلى المفاوضات تحت شروط المُحتل، أي مفاوضات ينقصها أدنى حد من التكافؤ بين الطرفين المتفاوضين، لأن أحدهما تحت احتلال وهيمنة الطرف الآخر، بالمقابل وصل الانحياز بحكومات الغرب إلى التأييد المباشر أو غير المباشر للهجمات الإسرائيلية المتوحشة على غزة التي استهدفت المستشفيات والمدارس ودور العبادة، التي عدها المجتمع الدولي جرائم إبادة جماعية، متجاوزة ما تدعيه دولة الاحتلال بأنه ما يسمى بـ«حق الدفاع عن النفس».

الإدارة الأميركية والكونغرس الأميركي يدعمون ما يسمونه حق إسرائيل في الدفاع عن النفس ويتجاهلون ماهية الوسيلة التي يمكن للفلسطينيين أن يلجؤوا إليها لإيقاف انتهاكات إسرائيل وحصارها وإذلالها، ومذابحها، ولا لشيء إلا لأن الفلسطينيين الذين يعيشون في أرضهم منذ آلاف الأعوام، لم يقبلوا الخضوع لشروط المحتلين.

الإدارة الأميركية تسعى إلى سلام يحقق للإسرائيليين ما يريدون، والفتات للفلسطينيين، كما ترفض إسرائيل قرارات الأمم المتحدة وآخرها قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار بتاريخ 14 تشرين الثاني 2023.

بالمقابل مسألة تضارب وازدواجية معايير القيم لدى الحكومات الغربية المؤيدة للإبادة الإسرائيلية بحق سكان غزة انفجرت بشكل صادم ومخيف ويتابعها العالم بذهول تام، إسرائيل تقودها حكومة متطرفة عنصرية فاشية بامتياز وباعتراف أعضائها، حكومة تضم تيارات دينية متصالحة تماماً مع الصهيونية، ومن رموزها من يعتقد بضرورة ضم الضفة وغزة واعتماد الاستيطان فيهما وتهجير كامل للفلسطينيين كافة إلى خارج حدود إسرائيل.

هذه هي الحكومة التي تدعمها حكومات الغرب اليوم وتشن حرب إبادة ضد سكان غزة بحجة الدفاع عن النفس الكاذبة وتمارس سياسة إسرائيلية فاشية عنصرية ضد الفلسطينيين من مذابح واستيطان واستعمار وجرائم الإبادة الجماعية في غزة، وسبق وجرى تعريف جريمة الإبادة الجماعية عام 1948 من الأمم المتحدة، بأنها «قصد التدمير، على نحو كامل أو جزئي، لمجموعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية».

وكل ذلك ينطبق على العملية العسكرية الإسرائيلية المتوحشة في غزة كجرائم إبادة جماعية وتدحض مزاعم إسرائيل الكاذبة بحق الدفاع عن النفس، وهذه المفارقة تجعل الرأي العام الحر العالمي يتساءل: كيف للحكومات الغربية التي تدعي الحرص على حقوق الإنسان، وأسست محكمة عدل جنائية دولية، أن تدعم وتبارك طرفاً يمارس العنصرية والفاشية، ويصادر الأراضي ويمنع الماء والكهرباء والدواء، وتقتحم آليته العسكرية المتوحشة المستشفيات وتحولها لمقابر جماعية، ويستخدم أوصافاً لا تليق بالبشر في وصف الفلسطينيين؟

إن الحكومات الغربية تسوغ ذلك بحق الدفاع عن النفس، وهو في الواقع دفاع عن جرائم الإبادة الجماعية التي يطلق عليها «جريمة الجرائم».

وزير وسفير سوري سابق

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن