قضايا وآراء

جنيف والتمثيل السوري

| مازن بلال

ضمن مشهد غريب فإن ما سيحدث في جنيف لا يملك مقياساً واضحاً حول خارطة سورية كما يراها «المواطن»، فتوسيع دائرة المشاركة أو تضييقها لا تحل معضلة أساسية مرتبطة برؤية الحياة لسورية ما بعد الحرب، فالحلول في النهاية هي اقتسام سياسي وليست مشاركة في ترتيب مستقبل ما دامت «المحاصصة» الإقليمية والدولية هي أساس الحل، فالأزمة السورية كشفت نوعية البيئة التي تسعى إليها بعض دول الجوار السوري، فهي تتيح بنية تتجاوز المرونة باتجاه تحويل سورية إلى منطقة لـ«الولاءات الإقليمية».
عملياً فإن «التفاوض» يسعى لتشكيل تمثيل من «طيف المعارضة» التي شاركت في صناعة الأزمة، وجوهر التفاوض إيجاد بدائل للسلطة السياسية القائمة، وإذا كانت موسكو تصر على مسألة التعديلات الدستورية، فإن هذه البنية القانونية ربما تتيح «تنظيماً» لكنها لا تضع أفقاً جديداً لعصبية المجتمع الذي تم تفتيته بشكل متعمد، فالحلول الدولية تتجه نحو مقاربتين أساسيتين:
– الأولى يطرحها الروس وتعتمد وفق التصريحات على امتلاك السوريين للخيارات، أي إن الوظيفة الدولية هي تسهيل الحوار وترك مسار التفاوض باتجاهات يقررها السوريون، لكن المعضلة هنا هي في الإشراف الدولي الذي نفترض أنه «توافق مصالح»، فهو بالتأكيد يصعب تحييده عن مسار العملية السياسية كلها.
وتنقل هذه المقاربة تأكيداً روسياً على «سكونية» منظومة الشرق الأوسط، فهي تسعى لتقنين الخلافات ضمن القنوات الدبلوماسية، وإعطاء مهام دولية محددة في مراقبة ما يجري والحد من التدخل الدولي، رغم أن أي مهمة للأمم المتحدة تحمل معها توافق مصالح يصعب الهروب منه، ومن جانب آخر فإن «استقرار» الشرق الأوسط عموماً هو حالة «دبلوماسية» وليست واقعية، فاستمراره وفق الشكل الحالي لم يكن بفعل الاستقرار بل نتيجة انزياح الصراعات الدولية لأكثر من نصف قرن باتجاه مناطق أخرى، في حين كانت منظومة الشرق الأوسط تعاكس «السكون» الافتراضي الذي تطمح إليه السياسات الدولية وعلى الأخص الروسية، فهو بقي بؤرة لحروب داخلية وإقليمية، ولتحولات في مستويات القوة للدول أدت في النهاية لانهيار خطوط الردع داخله واندلاع صراعات حدية سواء في سورية أو العراق أو غيرهما.
– المقاربة الثانية تطرحها الولايات المتحدة ومجموعة الدول الأوروبية بدعم أميركي واضح، حيث تنطلق من إيجاد انقلاب كامل في مفاهيم الدول القائمة، فهي على عكس الرؤية الروسية تنطلق من كسر كل العلاقات الإقليمية، والمجازفة بدفع منظومة الشرق الأوسط نحو مزيد من التفكك، ثم التعامل مع البنية الجديدة مهما كان شكلها.
وتبدو الرؤية الأميركية رهاناً نحو استنزاف أعدائها التقليديين، وإقحام القوى الدولية مثل الصين وروسيا داخل الصراعات القائمة، في حين تقوم واشنطن بإدارة الأزمات الناشئة من الحروب، وتتوافق هذه الرؤية مع الطبيعة الأميركية القارية رغم أنها تحمل مخاطر تتمثل في حركة الإرهاب، لكنها تؤكد في النهاية القناعة الأميركية في القدرة على التحكم واستيعاب الأزمات الدولية والتكييف مع التطورات كافة.
إن المقاربتين السابقتين تحدان من طبيعة التمثيل السوري في أي تفاوض، فأي وفد لا يتوافق مع التصورات السابقة فلن يستطيع الحضور، وأي حل سياسي يخرج عن إطار المقاربتين السابقتين فلن يجد لنفسه مكاناً سياسياً بموافقة دولية، فمعضلة التمثيل السوري في النهاية لن تتلخص في وفد المعارضة بل في الشرعية المستقبلية للحلول بإشراف دولي، وهو ما سيجعل مسار الحل السياسي أطول مما نتصور.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن