إنَّ الأدب ونوره الأسمى قد يُمثّل فيما يمثل العديد من المصطلحات لغوية، قد تُكتب بلغة الترميز الواقعي، ذلك الترميز الذي يُكتب بروح واقعية الإبداع الأدبيّ، ومن هنا نسألُ: أتوجد مصطلحات خاصة بالحروب، وبأزمات الدول والشعوب؟! أتوجد مصطلحات نواجه بها ثقافة الموت؟! فكم من المفردات أفرزتها لنا الأزمة، وأصبحت مضافة إلى قاموسنا الثقافيّ، أصبحت من المفردات اليومية التي تلتصق بنا!
لقد أفرزت لنا الأزمة عناوين مختلفة، عناوين تستنتج من مدارات الاحتراق، التي فُرض علينا الدخول إليها، من قواميس الزمن الجنائزي، كلّ شيء يبدو متورّماً بخبث الوجع الأزموي..
كلّ شيءٍ يبدو مستغرقاً في عنف ما يحدث، في دموية ما جرى، حتى الألفاظ باتت نائمة على قممٍ بركانية اللهجة.. تبدو وكأنّها تُمثّل أتون الوجع، الذي استفاض عنا، وأصبح يملأ كلّ شيء في يومياتنا، وحتى استطال به الأمر ليشغل الوقت الإبداعيّ.. ليشغل هذا الوقد عند العديد من الأدباء من يؤمنون بدور الكلمة والقلم معاً.. من يرون أن هذه الأقلام يجب أن تكون الذاكرة الوصفية لأدب الأزمة، وهنا يُقصد أدب الزمن المتأزم بمعناه الحياتي واللّغويّ، وبمعنى التصاق الشيء بمنطق الأشياء المحيطة به، وهذا يعني وضع لغات الإبداع والتميز في أولوية كلّ شيء نبتغي الكتابة عنه، ومن ثمّ تسمية الأمور وفق مسميات المنطق الوارف الإبداع، الوارف التجذّر الأدبيّ والإبداعيّ أولاً وأخيراً..
فكم من المصطلحات، باتت اليوم دخيلة على منهج الحياة لدينا، وعلى قاموسنا اللّغويّ بشكلّ خاصّ. وكم منها بات متعجرف اللفظ، الذي يؤخذ على محمل الزمن، الذي لا نريده محمّلاً بالآهات اللحظية أو الاستعارات الجنائزية..
وربّما، هذه الاستعارات التي تحمل ثقل الأزمة ونواتج فوضى الأوجاع المترامية هنا وهناك، المترامية على عتبات حالمة الارتجاء المتزاحمة على ضفاف المصطلحات المبتكرة حقاً، والمصوغة حسب الزمن، وأحقية وجود هذه المصطلحات كناتج سببي منطقيّ، لا يمكن تجاهل ترميزها الواقعي الذي تمّ الاتفاق عليه أصلاً من تزاحم المرادفات الكلّامية، وبنيتها اللّغويّة، ومن إيجاد وقت على هذا النحو، يزدهي الزمن، وتزدهي به المصطلحات المستجدّة.
على هذا النحو، الذي لا يقبل أن تقترب منه ضمائر منفصلة عن روح التميز، نريدُ أن نوثق صلة الاتصال مع مستحقات الزمن الإبداعيّ.
نوثق بعضه مع روائع الأدب، وكيفية كتابته، وصياغة مصطلحات تلازم الفكر الإبداعيّ في زمن الأزمات، وتجوهر فحواه المرتجى أدبياً.
فكم من المصطلحات أصبحت تتماهى مع الحدث الواقعي، مع ضرورة السرد الواعي، الذي نبتغيه أن يأتي مبدعاً، على الرغم من تزاحم الأضداد، نريدُ من كلّ الأزمنة أن تحمل لنا ثراءً أدبياً وثراءً لغوياً، وكذلك تحمل لنا غنى بمصطلحات لا تفرضها الأزمات فقط، وإنما يفرضها الوقت الإبداعيّ المسترسل بحاجات التميز المستحق فعلاً، يفرضها الفعل الأدبيّ المتميز، حسب استحقاقات التميز الإبداعيّ أولاً، ومكونات وجوده بطريقة التمايز المختلف، بطريقة إيجاد المصطلحات التي يتفق عليها، وليس فقط حسب موازين الوجع اليومي، إنما حسب معايير جمالية نابضة بعشق الواقع، وتجسيد صوره الأدبيّة بأبهى أشكالها وبأرقى مسمّياتها.
وتجميل ألم الحياة.. بوهج ما يُسمّى «مصطلحات الأدب.. ونور تقويمها الأسمى.