اقتصاد

وثيقة الترميم.. باب استرزاق!

| هني الحمدان

وهكذا انتهت القصة مات من مات ومن تعرض للإصابة تم نقله للمشفى وبعد أيام من تلقي العلاج سيعود ولكن لا يعرف إلى أين سيعود بعد أن انهار منزله ، واكتفت محافظة دمشق بسجن بعض الأشخاص من موظفي بلدية إلى بعض الوسطاء ومن كان له علاقة.. وانتهت المسألة..!

المشكلة أبعد من ذلك، هناك واقع يجب التعاطي معه بكل مسؤولية، وما فعلته محافظة دمشق حيال ما حصل في انهيار بناء سكني بحي التضامن لا يعفيها من المسؤوليات.. وعليها أن تضع ذلك بحساباتها وتتخذ المزيد من الخطوات الاستباقية لتجنب أي آثار كارثية محتملة الحصول لا سمح الله..!

كل عائلة قاطنة بأماكن المخالفات والتي يتم ترميم بعض المنازل فيها معرضة لما أصاب بعض العائلات القاطنة بالبناء الذي انهار، لقد عم الألم والتعاطف في نفوس الكثيرين واليوم تم نسيان القصة… دون الطرح من أحد أو من أي جهة معنية لفكرة أن هناك أبنية مماثلة معرضة للانهيار وهنا نخسر أرواحاً وأموالاً..!

إن التهاون في التقيد بالإجراءات التي تعزز السلامة للبناء وللقاطنين والتهاون من المنفذين والمشرفين جريمة بشعة يرتكبونها بحق الأرواح البريئة… وكلنا بات يعرف مدى التسيب والإهمال وباب الاسترزاق لكل متعهد بناء أو مالك، حيث فتحت المحافظة باباً عريضاً للفساد ألا وهو إعطاء وثيقة ترميم للبيوت، وهي مصدر للفساد ومنفعة لموظفي المحافظة وتحقيق الأرباح الخيالية لدى المتعهدين أو مالكي المنازل حيث يبيعون المنازل بمئات الملايين من دون أي ضوابط أو اعتبارات، يدفعون للبلديات وللمحافظة ويحصلون على أذونات العمل مدفوعة القيمة، حيث يتم منح الوثيقة لترميم شقة أو طابق وهنا يتم استغلال هذه الحجة بإشادة طوابق أخرى بعيداً عن أعين الرقابة المعنية، وفي أحيانا كثيرة يتم التغاضي والسكوت مقابل الدفع وأخذ الهدايا وغيرها.

على مسؤولي المحافظة مسؤولية كبرى، فالاكتفاء بتقديم الأعذار وسجن عدد من الأشخاص لهم علاقة بالانهيار لا يكفي.. هناك مسؤوليات أخرى! لا بد أن هناك مسؤوليات أخرى… أليس كذلك؟! والحقيقة لم يُرض ما اكتفت به المحافظة وهذا يعد تنصلاً سلفاً من كل مسؤولية، هي من أعطت وثيقة ترميم لطابق ويحصل المتعهد أو المالك على إذن بأعمال التغيير والتوسعة في الطابق، وهذه مسؤولية المحافظة وجهات أخرى بالتوثق من سلامة البناء وطبيعة الأعمال التي ستنجز والرقابة عليها وفقاً للاشتراطات الواجب أن تكون موجودة ومقررة. وكان يجب احتراماً للجرحى تأمينهم مباشرة بأماكن خاصة ريثما يلقون ملاذاً لهم أيضاً.

فمن يحصل على وثيقة الترميم بعد دفع الأموال للمحافظة يجد ضالته لكي يشيد ما يشاء من مخالفات، من دون أي تقيد بالأوضاع الإنشائية والمحددات الناظمة، لا أن يترك ليفعل ما يحلو له، بعيداً عن تدخلات وممانعات المحافظة الغائبة.

أعتقد أننا مرة أخرى أمام كارثة تعود بصورة غير مباشرة لضعف الإدارة والمراقبة والتحوط في إطار المسؤولية العامة، وهي مسؤولية مشتركة لعدة جهات تعاني كالعادة من ضعف التنسيق والتكامل والكفاءة في العمل بينما مئات الموظفين يبقون متعطلين بلا عمل حقيقي في المحافظة والكثير من المرافق والمؤسسات فلماذا لا يتم رفد أجهزة ودوائر الخدمات بمهام جديدة لمتابعة كل وثيقة أو أمر سماح للترميم وغيره مثلاً، مسألة لا تروق للمعنيين في المحافظة ، وستبقى الآليات والطرائق المتبعة هي ذات الأولوية لأنها باب رزق وغنى، ومهما كانت الأخطار وفقدان الأرواح لا يهم، ولا نكتشف العيوب والترهل والتعثر إلا بعد أن تقع الفأس بالرأس..!

لجان للكشف على كل المنازل التي تمت تسويتها مؤخراً، وتلك التي أخذت وثائق ترميم وبصورة موضوعية واحترافية يضع حداً للتجاوزات ويكشف واقع حال تلك المنازل ويجنب أي كوارث قد تحصل.. والمتابعة الجدية النظيفة لكل أمر يعطى باتت اليوم حتمية وخاصة في ظل تغير المفاهيم وتسيد قيم المال والمنفعة وتفتت كل منظومات العمل والأخلاق. وبذوبان ذلك ماتت الضمائر وسنبقى نعاني من فساد النفوس والأعمال..!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن