ثمة نوع آخر من التلوث غير تلوث البيئة هو الأخطر ويكاد يكون المسؤول الأول والأخير عن كل مصائبنا البيئية والخدمية والاقتصادية هو تلوث العقول لدى البعض، الإنسان هو الذي يفكر ويضع الخطط والبرامج وينفذها، ولذلك نتساءل دائماً: إلى أي مدى تتم مراعاة قيم الحفاظ على البيئة في إطار منظومة بيئية متكاملة؟
كان لدينا وزارة خاصة بالبيئة وتتبع لها مديريات في المحافظات وكان شغلها الشاغل أن تحتفل سنوياً باليوم العالمي للبيئة وتشارك في المهرجانات العربية والعالمية ويتاح لها أن تشاهد كل الأشياء الجميلة في العالم لكنها لا تشاهد المناظر المؤذية للبيئة بدءاً من أكوام القمامة المتراكمة مروراً بالصرف الصحي المكشوف في بعض المدن والقرى وصولاً إلى الحلقة المفقودة بين الناس والمؤسسات البيئية التي يفترض أن تكثف وتطور دورها في بناء الوعي البيئي. ولذلك لطالما كان السؤال: هل المشكلة في الأداء أم في البرامج والخطط؟
لكن حقيقة الأمر هي أبعد وأكثر من ذلك، وهذه الحقيقة تتصل بشكل مباشر بمدى التفكير والقدرة على الاستخدام الأفضل للموارد واتباع سياسات زراعية لتشجيع المزارعين للتحول إلى محاصيل ذات قيمة مرتفعة وأقل استخداما للمياه، لأن القضية باتت حاجة أساسية من حاجات الاستمرار في الحياة ومواكبة التطور المستمر في العالم.
نأخذ اليوم مثالاً من القرار الخاص بمنع عملية نقل الأحطاب بين المحافظات التي يمكن أن تسهم في الحد من التعديات على الحراج لكن ثمة شطارة موجودة لدى فئة من المخالفين الذين تنطبق عليهم مقولة تلوث العقول والتفكير بالخلاص الفردي لتحقيق مصالح خاصة يعبرون عنها بكل وضوح وعلانية من خلال محاولاتهم تهريب الحطب عبر سيارات مغلقة وبمراكز تجميع غير نظامية، لذلك التحدي الكبير الموجود دائماً هو تلك المسافة البعيدة بين القرارات والأهداف والطموحات والنتائج الفعلية على أرض الواقع بسبب هذا التلوث الآخر.. تلوث العقول.