في 10 نيسان عام 2018 ذكر الوزير الإسرائيلي يوسي بيلين، الرجل الثالث في حكومة إسحاق رابين وشمعون بيريس الإسرائيلية أثناء اتفاقات أوسلو عام 1993 في مقال نشره في المجلة الإلكترونية العبرية «ايلمونيتور» أن «الجميع في حكومة رابين كانوا يرغبون في التخلص من قطاع غزة وقد اعتدنا استخدام عبارة «عزة – بالعبرية» والقول اذهب إلى «عزة» أي إلى الجحيم الذي يعني بالعبرية «عزازيل»، وكان إسحاق رابين (رئيس الحكومة في زمن التوقيع على اتفاقية أوسلو) قد قال أمامي إنه يفضل لو أن البحر يبتلع غزة لتخليصنا منها».
ويضيف بيلين: «وحين كنت في فيينا مع شمعون بيريس في تموز عام 1978 حين كان زعيماً للمعارضة الإسرائيلية، (قبيل التوقيع النهائي على اتفاقية كامب ديفيد عام 1979 مع مصر) قال لي بيريس إن مناحيم بيغين (رئيس حكومة إسرائيل في ذلك الوقت) عرض على السادات أن يضم قطاع غزة إلى مصر مقابل ضم إسرائيل لمستوطنة ياميت في سيناء فضحك السادات وقال: «ظن بيغين أنني غبي فقلت له فليبق هذا المكان اللعين لك».
فغزة فرضت نفسها هاجساً مخيفاً لهذا الكيان منذ أن جعلها الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر في بداية الخمسينيات من القرن الماضي قاعدة للعمل الفدائي الفلسطيني ضد مواقع جيش الاحتلال داخل فلسطين المحتلة منذ عام 1948، ثم أصبحت أول قاعدة على أرض فلسطين ينتشر فيها جيش التحرير الفلسطيني منذ تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1965 وتشكيل أول طلائع جيش التحرير فيها وفي سورية وهي غزة التي اعترف رئيس وزراء إسرائيل الأسبق أريئيل شارون بعد احتلالها عام 1967 حين كان جنرالاً عام 1970 في جيش الاحتلال ومسؤولاً عن القوات في جنوب فلسطين وداخل القطاع، أنه يحكمها في النهار، على حين يسيطر عليها في الليل المسلحون الفلسطينيون، وعلى هذا النحو شكلت غزة أرضاً وشعباً معضلة للكيان، وهذا ما جعل رابين يعرضها في اتفاقية أوسلو كأولى أراض هي وأريحا مخصصة لإدارة السلطة الفلسطينية واحتفظ فيها بمواقع للجيش وبمستوطنات أصبح عددها 21 مستوطنة حتى عام 1993، وفي النهاية أجبرت المقاومة الفلسطينية أريئيل شارون الجنرال ذاته على الانسحاب من القطاع في عام 2005 حين كان رئيساً للحكومة وعلى نزع المستوطنات منها لأول مرة في تاريخ الاحتلال الصهيوني لفلسطين، وهو الذي كان يقول عام 2001 إن من ينسحب من مستوطنة واحدة في القطاع كأنه ينسحب من تل أبيب.
وخلال حروب ست شنها جيش الاحتلال على القطاع منذ عام 2008 حتى الآن تمكنت غزة بشعبها وفصائل المقاومة من الصمود في وجه جيش الاحتلال وزيادة قدراتها بفضل الدعم الذي وفرته لها أطراف محور المقاومة وازداد إيمانها بقابلية الانتصار عليه، وبعد تحقيق عملية «طوفان الأقصى» للجزء الكبير من انتصارها عليه حتى الآن، بدأ الكيان الإسرائيلي يقوم بتصعيد حملاته بالتهديد المباشر والعلني باستخدام القنبلة النووية ضد القطاع بموجب ما أعلنه الوزير الإسرائيلي عميحاي إلياهو في الخامس من تشرين الثاني الجاري، وها هي وزيرة الاستخبارات الإسرائيلية غيلا غاملئيل تطالب في 19 تشرين الثاني الجاري في مقال لها في صحيفة «جروزليم بوست» الإسرائيلية الصادرة بالانكليزية باستغلال الظرف الذي ولدته بعد خمسين يوماً وحشية الاحتلال ومذابحه بالقيام بتهجير معظم سكان قطاع غزة لكي لا يبقى فيها سوى مئات آلاف فقط، وتعلن غامليئيل أن «الحكومة ستتبنى تهجيرهم قسراً أو طوعاً لأنهم جميعاً دعموا وأيدوا كل العمليات التي نفذتها الفصائل الفلسطينية ضد الجيش والمستوطنين، وسوف يتمسكوا بهذا التأييد إذا ظلوا أحياء في قطاع غزة» وذكرت أن أغلبية في الكنيست – البرلمان أعربت عن دعمها لخيار ترحيل الفلسطينيين الذين أجبروا أكثر من 300 ألف من المستوطنين على مغادرة بيوتهم المدمرة في المستوطنات نتيجة اختراقهم لها وإطلاق الصواريخ عليها، ومن المؤكد أن كل هذه التهديدات التي استخدمها الكيان للتخلص من وجود الشعب الفلسطيني فوق ترابه الوطني لن تحقق أهدافها لأن الملايين السبعة الموجودين داخل فلسطين من الناقورة حتى قطاع غزة متحدون كرجل واحد بالتشبث بأرضهم التي رويت بدماء أطفالهم وأمهاتهم، ولن يتخلوا عن المحافظة على نصرهم في عملية «طوفان الأقصى»، وبالمقابل تشير أرقام المغادرين المسافرين إلى أوطانهم التي جيء بهم منها إلى تزايد أعدادهم بعد عجز جيش الكيان وحكومته عن ضمان حياتهم وبقائهم في هذا الوطن الذي اغتصبوه من شعب فلسطين، فمطارات أوروبا وكندا والولايات المتحدة هي التي تعرف هذه الأرقام لأن الذين يصلون إليها يأتون كمواطنين لتلك الدول على غرار ما فعله المستوطنون الأوروبيون الذين هزموا في جنوب إفريقيا وزيمبابوي فغادروا إلى أوطانهم من دون رجعة.