من دفتر الوطن

عجز القوة

| حسن م. يوسف

«في كل قوي مهما بلغ من القوة نقطة ضعف، وفي كل ضعيف مهما بلغ من الضعف نقطة قوة، فإذا ما نجح الضعيف في تسديد نقطة قوته إلى نقطة ضعف خصمه، انتصر عليه».

قبل أكثر من ربع قرن كتبت هذه الفكرة في الجزء الثاني من مسلسل «إخوة التراب» على لسان الفدائي السوري الأول وزير الحربية يوسف العظمة، قبيل توجهه لمواجهة الغزو الفرنسي في معركة ميسلون. والحق أن هذه الفكرة لا تكف عن تذكيري بنفسها منذ أن سمعت نبأ الهدنة بين المقاومة الفلسطينية في غزة وجيش الكيان، السرطان الذي يصنف نفسه كواحد من أقوى جيوش العالم.

ماذا يعني أن تعقد إحدى أخطر آلات القتل في العالم هدنة مع المقاومة؟ بعد سبعة وأربعين يوماً من القصف الوحشي بما يعادل أكثر من قنبلتين نوويتين، ما أدى لارتقاء أكثر من أربعة عشر ألف شهيد معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ.

ماذا يعني أن يضطر النتن ياهو لأن يبتلع رفضه التوقف قبل عودة (الأسرى) وإبادة المقاومين الذين وصفهم بـ«العماليق»! في محاولة منه لإضفاء قداسة توراتية زائفة على حربه الاستعمارية القذرة؟

قد يقول الشعراء إن الدم الفلسطيني قد انتصر على السيف والحيف وخذلان الأشقاء، وفي هذا الكثير من الحقيقة، لكن ثمة قوة أخرى خفية هو ضمير العالم الذي أيقظته بطولات شعبنا ونضاله المتصاعد في حرب الإبادة والتهجير، التي بلغت ذروة المجد والمأساة في غزة.

لقد استطاع ضمير العالم المقموع أن يخرج من قمقم السردية الصهيونية، رغم سيطرة الصهاينة شبه المطلقة على أكبر وأخطر وسائل الإعلام في العالم، فقد تمكن شرفاء العالم من نشر السردية الفلسطينية عبر صحافة المواطن ومواقع التواصل الاجتماعي، وحققوا إنجازات على مستوى الرأي العام، لا تقل أهمية عن بطولات المقاومين في غزة. فقد شهدت عواصم العالم مظاهرات مليونية غير مسبوقة وأصبح شعار (فيفا بالاستينا) (تحيا فلسطين) أغنية تتردد في كل مكان، بما في ذلك صالات عروض الأزياء العالمية. حتى بريطانيا التي كانت ولا تزال مثل البرد سبب كل علة، شهدت عاصمتها واحدة من أضخم المظاهرات على الرغم من محاولات السلطات إيقاف بعض القطارات، والتضييق على وصول المتظاهرين المتجهين إلى مكان التظاهرة. كما شهد مجلس اللوردات البريطاني ندوة عالمية غير مسبوقة دعا إليها مركز جامعة كيمبريدج للدراسات الفلسطينية، تحدث فيها مثقفون من بلدان عديدة، وتميزت بغياب الصوت المؤيد للسردية الصهيونية.

بعض أصحاب الدكاكين السياسية و«الوكلاء الأمنيين» يشيعون أن المعركة التي شهدها قطاع غزة خلال الأسابيع الماضية وما يزال جمرها يتوهج تحت رماد الهدنة، هي معركة حماس وحدها، لكن من في عقله عينان يرى بوضوح أن المعركة التي تجري الآن هي معركة القضية المركزية بكل أبعادها، وأنها ستسحب ظلها على مستقبل المنطقة العربية برمتها. لا شك أنه من الموجع أن تأتينا مؤشرات التغيير من جنوب إفريقيا التي قرر برلمانها قطع العلاقات الديبلوماسية مع الكيان- السرطان، ومن بلدان أميركا اللاتينية التي طردت سفراءه.

ككل السوريين يوجعني ما فعلته حماس خلال الحرب التي شنتها الفاشية العالمية على سورية، لكنني رغم كل شيء أوافق على ما قاله المفكر نارام سرجون في مقاله الأخير: «هل سأغفر لحماس خطيئتها في سورية؟ جوابي بلا تردد: نعم».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن