ساءني منظر _ نهر _بردى وسط العاصمة دمشق، كان مغطى في أماكن كثيرة منه بالنفايات الصلبة، عبوات مياه فارغة، أوراق، أقمشة مهترئة، بقايا خضر وفواكه.
وقرأت في نشرة الأحوال الجوية أن الأمطار ستهطل بعد يومين على الأكثر، فقلت: ستجرف كل شيء وسنرى في الشام نهراً، فبردى هبة المطر وعلى الرغم من الأمطار الغزيرة التي هطلت بالفعل فإن المشهد لم يتغير كثيراً، ويبدو أنها لم تكن كافية.
ما من شك أن تأخرها ساهم فيما آلت إليه حال بردى. لقد أشار وزير الزراعة إلى أن الأمطار باتت تتأخر، ما أضر بزراعتنا، فكانت تهطل في نهاية أيلول، وها هي حتى 8 تشرين الثاني لم تأت، لكنه بشر أنها قادمة خلال ت2 وحتى آذار. وهذا ما حدث في الأيام القليلة الماضية.
زراعتنا هبة المطر. ومياه شربنا أيضاً، وصناعتنا وكثير من مرافق خدماتنا وبالتالي حياتنا كلها لأن الماء حياة. وقد يقال إن التغيرات المناخية هي وراء معاناتنا مع المطر، وهذا صحيح – نسبياً-، ذلك أن جفاف بحيرة مثل المزيريب كان بفعل الحفر الجائر للآبار في حوضها المائي، حفر الإرهابيون الذين سيطروا على المنطقة المحيطة بها لعدة سنوات، مئات الآبار، ما حرم درعا والسويداء من مياهها، وكانت السويداء تعتمد على خط جر لمياه الشرب، يأتي إليها من تلك البحيرة.
جفّ أغلب ينابيعنا وأنهارنا للأسف الشديد، لأننا فشلنا في نقل زراعتنا إلى الري الحديث ولأن الزيادة السكانية الكبيرة تطلبت إنتاجاً زراعياً كثيفاً، ففي مواجهة نظرية التغيرات المناخية، كان المرحوم الدكتور المهندس أكرم الخوري رئيس الهيئة السورية لشؤون الأسرة سابقاً، يتحدث عن انزياح الفصول وبالتالي تغير مواعيد المطر، وما يؤكد صحة هذا الطرح أن مهندسة زراعية سورية أنجزت رسالة دكتوراه حول أمطار بادية _النبك_ في محافظة ريف دمشق، فتبين لها أن كمية الأمطار التي هطلت خلال عشر سنوات من عمر الدراسة، هي ذاتها تقريباً التي هطلت خلال عشر سنوات أخرى أجرت المقارنة معها. وأن سبب –المحل- في تلك البادية، الزيادة الكبيرة في حمولة الرعي فيها.
والصحيح أنه حتى انزياح الفصول هو بسبب التغيرات المناخية، التي تعد اليوم المصيبة الكبرى المستفحلة عالمياً، وقد عقد من أجلها مؤتمر باريس العالمي في العام 2015 بحضور 15 ألف عالم و190 دولة، وأفضى إلى اتفاقية المناخ العالمية التي نصت على تخفيض حرارة الأرض 1,5 درجة، لحماية الحياة ومقوماتها فيها. وأصيبت الاتفاقية بنكسة كبرى عندما انسحبت أميركا منها في العام 2016، كان هذا الانسحاب ضربة كبرى لصندوق عالمي سيختزن 100 مليار دولار سنوياً للإنفاق على التحول إلى الطاقات المتجددة وتقليص استخدام النفط والفحم الحجري، لخفض انبعاثات غازي الدفيئة:الميتان وثاني أوكسيد الكربون.
نجح العالم في تحدي أميركا وأصر على تنفيذ الاتفاقية فكانت المؤتمرات السنوية لها من بون في ألمانيا إلى شرم الشيخ في مصر في العام الفائت، حيث طرحت مبادرة الشرق الأوسط الأخضر لغرس 50 مليار شجرة بتمويل سعودي 2,5 مليار دولار، وإحياء صندوق المئة مليار دولار.
وفي الثلاثين من هذا الشهر سيعقد في –دبي- بدولة الإمارات العربية المتحدة المؤتمر co29 وستشارك به سورية – برؤية وأوراق- إذ تم إنجاز تقرير حالة البيئة في سورية، وتم إشهاره في ورشة عمل بحضور رئيس مجلس الوزراء مؤخراً، وتحدث التقرير عن المعاناة السورية مع منغصات بيئتها، بدءاً من الهواء والمياه مروراً بالتلوث النفطي، وانتهاء بحرائق الغابات والأنقاض.
وفي رأيي أن وفدنا يجب أن يركز على حاجة سورية إلى تشجير 30مليون شجرة سنوياً على الأقل لاستعادة توازنها البيئي، وليس 1,8 مليون شجرة فقط، ذلك أن الأشجار جاذبة للأمطار وتخفض حرارة المدن 7درجات، تصون التربة وتنقي الماء وتمتص الغازات السامة وتطلق غاز الحياة الأوكسجين.
مرحى لمؤتمر الأطراف القادم، بعث أهمية البيئة في سورية من جديد، ومن لا يصدق فليراجع ما قيل في ورشة إشهار تقرير حالة البيئة في سورية: إن البيئة السليمة غنى ورفاه وجمال.