ما كُشف عقب قرار إعادة السماح باستيراد السيراميك يستحق التوقف عنده مطولاً، لأنه قد يفتح الباب على مراجعات لمواد كثيرة، نشتريها ونوافق على ارتفاع أسعارها مرغمين تحت أعذار ارتفاع أسعار الوقود وقلة القطع الأجنبي وصعوبة الاستيراد والعقوبات وغيرا من الأسباب التي حفظها كل أفراد الشعب السوري، لكن هل يعرف أحد منا التكلفة الحقيقية لهذه المواد ونسب الأرباح؟ قطعاً لا، إلا قلة قليلة جداً، هم المنتجون ومن يعمل ويتعامل معهم فقط.
فبعد الاعتراض من أصحاب معامل السيراميك، ردت غرفة تجارة ريف دمشق (صاحبة مقترح السماح بالاستيراد)، ومن ثم اللجنة الاقتصادية «بجلالة قدرها» على المصنعين بأن السيراميك المنتج محلياً أغلى من المستورد بستة أو سبعة أضعاف!!!
نعرف جيداً أن أسعار الوقود مرتفعة جداً في السوق السوداء التي يقول منتجو كل المواد تقريباً إنهم يشترون وقود تشغيل معاملهم منها، ونعلم أن أسعار الكهرباء الصناعية مرتفعة، والمواد الأولية المستوردة مرتفعة الثمن أيضاً، ولا ننكر أبداً أن هذه التكلفة المرتفعة والمرتفعة جداً أحياناً تجبر أصحاب المنتج المحلي على رفع أسعارهم لتعويض مدخلات الإنتاج، لكن بأسوأ كوابيسنا لم نتوقع أن يكون الفرق بين المحلي والمستورد سبعة أضعاف! هذا من ناحية السعر، لأنه ورد في رد غرفة التجارة واللجنة الاقتصادية أن الأمر لا يتعلق بالسعر فقط، بل بالجودة المنخفضة للسيراميك المحلي، إضافة إلى افتقاد أسواقنا أنواعاً ومقاسات معينة.
يعني «بالألم نشرح» كما يقال بالعامية، القصة كالتالي:
نحن مجبرون على شراء سيراميك وطني بأنواع ومقاسات معينة فقط، وبجودة منخفضة، وبسعر يفوق سعر السيراميك الأجنبي الأعلى جودة بسبعة أضعاف!
بعد الكلام السابق، من الطبيعي أن يتوجه الغضب باتجاه مصنعي هذه المادة وتجارها، وهذا غضب منقوص بعض الشيء، إذ إن هناك جهة أخرى يجب أن توجه الأسئلة للمصنعين والمنتجين، وليس نحن، وهي اللجنة الاقتصادية التي أصدرت التوصية والحكومة التي وافقت عليها.
في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك مديرية اسمها مديرية الأسعار، من مهامها وضع هوامش الربح للمستوردين والمنتجين، ونسب هوامش الربح – حسب أكثر من تصريح لمدير المديرية – للصناعيين لا تتجاوز 10 بالمئة لأنه ربح صناعي، وتتم كالتالي:
يضع الصناعي أو التاجر بيان تكلفة منتجه تضاف إليها المحروقات، ثم يودعها لدى وزارة التجارة الداخلية، وفي حال كانت نسبة هامش الربح المحددة غير كافية، تقوم لجان التسعير المركزية والفرعية باعتماد التكاليف الحقيقية أينما كانت (صناعياً وتاجراً) وتضاف إليها نسب الربح.
وتتم دراسة هامش الربح وفق تكاليف الإنتاج الكلية مع إضافة تكاليف المحروقات، كما أن نسب الأرباح توضع بالتنسيق والتشارك مع الفعاليات في القطاع الخاص سواء كانت صناعية أم تجارية، وبنود التكلفة تُدرس ضمن لجنة التسعير المركزية بحضور ممثلين عن اتحاد غرف الصناعة والتجارة.
أي إن تسعير السيراميك يتم بعلم الحكومة والجهة المختصة، وهامش الربح يحدد منهما، ويفترض أن في هذه الجهات مختصين متابعين لكل ما يتعلق بالمواد المستهلكة محلياً، لمعرفة فروقات الأسعار والجودة بينها وبين بقية الدول، وكل كبيرة وصغيرة تتعلق بها، فكيف لم ينتبه كل هؤلاء إلى فرق الجودة وفرق السعر الخيالي بين السيراميك المحلي والمستورد حتى الآن؟ بل ربما لولا رُفع المقترح من غرفة تجارة ريف دمشق لبقي الأمر على ما هو عليه.
متى سينتهي هذا الصراع أو الجدل البيزنطي أو التخبط أو الضياع بين فتح أبواب الاستيراد وبين حمائية المنتج المحلي؟ ومتى ستوضع أسس تجعل الأمرين متاحين أو تحدد أحدهما في سياق نظام اقتصادي ثابت ولو لمرحلة معينة؟
ويبقى السؤال الأهم والأكبر هو التالي: ماذا عن بقية السلع؟ وما أدرانا أن ما نشتريه وربما يُقدم له الدعم تحت شعار (دعم المنتج الوطني) لا يستغلنا ويستغل الشعار ويبيعنا السلع بأضعاف مضاعفة رغم ضعف قدرتنا الشرائية الشديد؟