قضايا وآراء

ماذا يُعد الكيان لما بعد طوفان الأقصى؟

| تحسين حلبي

يثبت تاريخ العدو الإسرائيلي أنه الكيان الذي ارتكب كل ما تعده دول العالم ومؤسساتها في الأمم المتحدة وفي والمجتمع الدولي وقوانينها، جرائم حرب موصوفة، رغم أن الدول الكبرى الاستعمارية التاريخية هي التي وضعت التعريف العام لجرائم الحرب هذه.

ففي البند الثامن لمحكمة الجنايات الدولية جاء تحت عنوان «جرائم الحرب»:

1- يحق للمحكمة مقاضاة جرائم الحرب بشكل خاص حين يجري ارتكابها كجزء من مخطط أو سياسة أو كجزء مما يرتكب من هذه الجرائم على نطاق واسع.

2- يحدد النظام الأساسي جرائم الحرب بأنها: كل ما يخرق قرارات ميثاق جنيف المقرة عام 1949 وبنودها، وكل ما تصفه وتحدده من جرائم حرب وهي ثمان، وكذلك كل ما جاء في نظام الأمم المتحدة تحت باب «ما يحدده القانون الدولي كجرائم حرب أثناء النزاعات الدولية»، وهي 26 مادة، وتعد المادة الخاصة بتوصيف جريمة تجويع الشعب الفلسطيني ومحاصرته في قطاع غزة من الجوانب، أهم ما تضمنته من جرائم لأنها جريمة حرب مستمرة طوال 16 عاما دون توقف، أضيف إليها جرائم حرب لتصفية المدنيين تحت الحصار، وصولا إلى أكبر جرائم الحرب وهي إبادة شعب وتهجيره من بيوته ومدنه وقراه. وملاحقته بالقتل والتدمير.

مع كل ماسبق، كان العالم كله صامتا على جرائم الكيان في حرب التجويع والحصار دون استخدام أي إرادة فعالة تتمكن من إيقاف هذه الجريمة المستمرة أو تخفيض تفاقم نتائجها ومضاعفاتها على أكثر من مليونين من الفلسطينيين، فقد فرض الكيان جرائمه بحقهم جميعاً داخل سجن مساحته 360 كم2، قتل فيه منهم عشرات الآلاف طوال 16 عاماً، وأصاب ما يزيد على 60 ألفاً، معظمهم من الأطفال والنساء، بجراح، إلى أن بلغت نتائج جرائمه خلال الأسابيع الماضية قتل ما لا يقل عن عشرين ألفا وجرح أكثر من ثلاثين ألفاً، وكل هذه الجرائم كان العالم كله يراها بالصورة والإثباتات الموثقة يومياً خلال 16 سنة من تطور وسائل الاتصالات والتصوير الذكية، ولكي يرهب العالم كله قام الكيان بتعميم قوانين عقوبات طلب تطبيقها في دول غربية يتهم فيها كل من يرفع علم فلسطين بدعم الإرهاب، بل كل من يهتف لفلسطين أو من يبدي أي تعاطف إنساني محض مع شعب فلسطين، وطبق هذه القوانين داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة على الفلسطينيين أنفسهم وعلى قنواتهم الإعلامية ووسائل التواصل الجماعية التي يديرها الغرب مثل فيسبوك وغيرها، وعلى قنوات دول عربية وغير عربية كثيرة.

ولم يحدث في كل هذا التاريخ القديم والجديد أن طالب كيان ما كل العالم بتبني سياساته العدوانية ضد الشعب الفلسطيني، بل حتى الولايات المتحدة أكبر قوة في العالم، لم تجرؤ على منع العالم من وصف ما فعلته من جرائم حرب في فيتنام ودول آسيا ومنطقة الشرق الأوسط، لكنها برغم ذلك تبنت كل ما يحقق أهداف الكيان، لأنها أهدافها من البداية للنهاية، فهي العصا التي تستخدم قوتها ضد كل دولة وحزب وشعب وفرد يندد بالاحتلال ويطالب بدعم حق الشعب الفلسطيني في حريته وتقرير مصيره فوق ترابه الوطني، والسؤال الذي يطرحه هذا الواقع هو: ألا يمكن للدول العربية والإسلامية، وهي 54 دولة، ومن يقف معها قد يتجاوز التسعين دولة، أن تفرض على الأمم المتحدة قانون تجريم وإدانة ومعاقبة كل من لا يعترف بالحقوق التي أقرتها قرارات الأمم المتحدة لفلسطين وشعبها المقرة منذ عامي 1947 و1949 وما بعد ذلك من قرارات، علما أن الأمم المتحدة أقرت قوانين تدين وتعاقب كل من ينفي: «المحرقة وعدد ضحاياها المحدد بستة ملايين من الأوروبيين اليهود»، وتدين كل من يعترض على الاحتلال الإسرائيلي بتهمة «معاداة السامية»، على حين أن الشعب الفلسطيني يتعرض هو وهويته وحقوقه للتنكر بقوانين إسرائيلية تتبناها منظمات غربية أميركية وأوروبية وتفرض العقوبات بموجبها على كل من لا ينصاع لها ويطبقها، بل تفرض واشنطن العقوبات على كل دولة تسمح لأفراد شعبها بتأييد الشعب الفلسطيني ونضاله المشروع وحقوق الشرعية، وها هو الكنيست- البرلمان يعد نفسه الآن بعد الصورة الوحشية التي شهدتها البشرية كلها لجرائم الكيان، لتعميم قانون يفرض على العالم الادعاء بأن ما جرى في قطاع غزة هو «جريمة حرب فلسطينية ضد الكيان»، بهدف تبرئة جيش الاحتلال من مذابحه المستمرة، والسؤال الأخير هنا هو: هل سنسمح لأنفسنا عرباً وعالماً شاملاً، بالسكوت على اتهام أنفسنا لتبرئة عدو يرى العالم جرائم حربه صارخة واضحة كالشمس؟!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن