قضايا وآراء

هدنة إنهاء الحرب أم هدنة التقاط الأنفاس.. عندما يتصدر أزلام قطر صورةَ المدافع عن الحقوق؟!

| فراس عزيز ديب

دخلَ اتفاق الهدنة الإنسانية في غزة يومه الثالث، هذا يعني بقاءَ ساعاتٍ قليلة على انتهائهِ ما لم تحدث معجزة ما ويتم التوصل إلى اتفاقٍ لتمديدهِ، لأن مسار التصريحات السياسية من جميع الأطراف الفاعلة وكأنها ترى إمكانية تمديد هذا الاتفاق أو التوصل لاتفاق جديد بمدةٍ زمنيةٍ أطول ممكنة بإرادةِ الجميع، الرئيس الأميركي جو بايدن تحدثَ عن ذلك صراحةً عندما قال إن هناك فرصة حقيقة لتمديدِ الهدنة، لكنه ربطَ بينَ إمكانية هذا التمديد وإطلاق سراح المزيد من الرهائن حصراً، في حين لا يبدو بأن الكيان مطلوب منه أكثر من السماح بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية ووقف جميع العمليات العدوانية على القطاع خلال فترة الهدن، هذه المقاربة وبعيداً عن العواطف تجاوزت فكرة ماذا بعد انقضاء الاتفاق؟ لتطرح علينا تساؤلاً مهماً: هل إن ما تحقق هو هدنة لإنهاء الحرب أم استراحة استعداداً لاستكمالها؟ وللإجابة عن هذا السؤال لابد من التعاطي مع محورين أساسيين:

أولاً: المحور المتعلق بالكيان الصهيوني، الذي اهتزت صورته إلى حدٍّ غير مسبوق في العالم نتيجة للجرائم التي ارتكبها خلال هذهِ الحرب ما دفع الفعاليات الشعبية في الدول الأوروبية تحديداً لتنظيم تظاهراتٍ عارمة رفضاً لما يتمتع به الكيان من غطاءٍ سياسي يُفلته من أي عقاب، أما على المستوى الرسمي فالانقلاب يسير بهدوء فهناك في الدول الأوروبية تحديداً من باتَ يتحدث عن عدم إمكانية قيام هذهِ الدول بالذهاب أبعدَ من ذلك في تغطيةِ جرائم الاحتلال، وحدها ألمانيا تبدو وكأنها تغرِّدُ وحيدة في هذا الاتجاه بطريقةٍ غير مفهومة، فالمستشار الألماني أولاف شولتس مصر على ما يسميهِ «اقتلاع حماس» أكثر من بنيامين نتنياهو نفسه، ما عدا ذلك تبدو الصحوة الأوروبية حقيقة وما السجال الذي حصلَ قبل أمس بين الكيان الصهيوني وكل من بلجيكا وإسبانيا وانتهت بقيام خارجية الكيان باستدعاء سفيري البلدين لتوبيخهما احتجاجاً على ما سمته تجاوزاتٍ دبلوماسية عندما اتهم رئيسا وزراء البلدين الكيان الصهيوني بارتكاب جرائمَ بحق الإنسانية، إلا دليل على أن الكيان باتَ فعلياً يخسر الحرب الإعلامية رغم الدعم اللامحدود الذي يتلقاه، هذهِ الخسارة وصلت إلى حد قيام رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز بالتلويح بالاعتراف بالدولةِ الفلسطينية بعيداً عن قرار الاتحاد الأوروبي بعدم الاعتراف، وهو أمر تتيحه قوانين الاتحاد، لكن وبواقعية أيضاً منذ متى كان الكيان يكترث بمثلٍ خسارات كهذه؟ ألم يرتكب الكيان ما هو أفظع خلال الحرب على لبنان في العامين 2006 و1996 وماذا كانت النتيجة؟

بصراحة إن الخسارة الإعلامية للحرب مفيدة لمن يقفون على الضفة الأخرى من هذا الكيان لكنها بالنهاية ليست سبباً ستجعل الكيان يراجع سياساته بما فيها فرضية استكمال الحرب من عدمها بعدَ انقضاء فرصة الهدنة، أما الحديث عن الجوانب الاقتصادية والخسائر المالية التي تكبدها الكيان بسبب هذه الحرب بما فيها اضطرارهُ للاستعانة بسكان الكيان كجنودٍ احتياط ما يعني توقف الدورة الاقتصادية، فهو بالسياق ذاته ليسَ بذي معنى لأن الكيان يعرف بأن كل هذه الخسائر بما فيها نفقات الحرب سيتم تغطيتها عاجلاً أم آجلاً، أما إعادة إعمار القطاع فكالعادة ستتكفل بهِ أشباه الدول الباحثة عن مكانة، فلماذا سيوقف الحرب وهو يعرف بأن البديل سيعني حكماً ضياع فرصة تاريخية لن تتكرر للقضاء على المقاومة من دون أن ننسى بأن الأهداف المعلنة للعملية العسكرية تسير برتم مرتفع، فالكيان ومنذ اليوم الأول أعلن عنما يريد فعله، تحرير الرهائن وهو أمر سيتم بالتدريج مقابل دخول المساعدات الإنسانية حتى وإن بقي بعض من الأسرى غير المدنيين فإن ميزان الربح والخسارة يشير إلى ميل الكيان لاستمرار الحرب والتضحية بهم، أما القضاء على المقاومة فإن الكيان يرى بوصول الدبابات الإسرائيلية إلى قلب القطاع والسيطرة على الطرق الرئيسية تكريساً لقطع الشريان عن هذهِ المقاومة وستكون ورقة انسحابهِ هي بيضة القبان في خلقِ وضعٍ جديد في القطاع، يكون فيهِ مستقبل غزة من دون مقاومة لأنه يدرك تماماً أن مصلحة الدول العربية المطبعة مع الكيان المشاركة مباشرةً، بإعادة تكوين السلطة في غزة!

المحور الثاني، وهو المحور المتعلق بقدرة قطاع غزة على الصمود وحيداً في وجه الحرب المفتوحة التي يتعرض لها، بعيداً عن الدمار الذي لحق بأكثر من نصف المباني والوحدات السكنية وبعيداً عن عددِ الشهداء والمتضررين، فإننا نتحدث عن دور هذه الهدنة في تكريس هذا الصمود فالقضية ليست كما يختصرها البعض بفكرة انتصار المقاومة، دعونا من التوصيفات التي يراها كلٌّ على هواه وتقديراته نتحدث هنا عن الأفق الجديد الذي ستصنعه هذه الهدنة، فكيف ذلك؟

خلال كلمةٍ ألقاها عن بعد في المنتدى الإسلامي للبرلمانيين تحدث رئيس حركة حماس المدعو خالد مشعل المقيم في قطر عن ثلاثةِ أهدافٍ تحققت بفضلِ هذه الهدنة، الهدف الأول هو الإفراج عن معتقلين في السجون الإسرائيلية، نتفق تماماً بأن الهدف سام ونبيل تحديداً أن المحاكم الإسرائيلية أساساً لا تملك أي شرعية لإقرار هذا الاعتقال التعسفي أو ذاك، ولعل فرحة الأسرى المفرج عنهم عند التقائهم ذويهم لا يعادلها فرحة، لكن هذا الكلام في العاطفة، أما في الوقائع فهل هناك من ضمن بنود الاتفاق ما يمنع الكيان من اعتقال المزيد من الفلسطينيين غداً أو بعدَ غد؟ بصراحة لا يوجد، بل وحسب المعلومات الواردة من الضفة وحدها فإن الكيان ومنذُ السابع من تشرين الأول اعتقلَ أكثر من خمسمئة فلسطيني بتهمِ مقاومة الاحتلال وتنظيم مظاهرات لدعمِ غزة، أي إننا قد نبقى ندور في حلقة مفرغة لأن الكيان قادر في أي وقت أن يدخلَ ويعتقل من يريد من دون رادع فهل مقاربة الهدنة من زاوية إطلاق سراح الأسرى تبدو منطقية؟

أما باقي الأهداف التي تحدث عنها مشعل فهي تمثلت بوقف العدوان وإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، كلا الهدفين مترابطان لكنهما للأسف محدودان بمدةٍ زمنيةٍ محددة ستنتهي بانتهاء مفاعيل الاتفاق لدرجةِ أن الكثير من الأشقاء في القطاع المظلوم لم تسمح لهم الدبابات الإسرائيلية العودة لتفقد منازلهم، وأبقت على القطاع مقطع الأوصال لأنها ببساطة تجهز لفترة ما بعد انقضاء الهدنة التي قد تتجسد بأحد أمرين: إما استكمال القتال أو التفاوض على اتفاقٍ جديد ستخسر فيهِ المقاومة المزيد من الأوراق لأن التفاوض معها سيكون حصراً على الرهائن فماذا ينتظرنا؟

بصراحة لا تبدو هذه الهدنة فرصة لإنهاء الحرب بل إن كل الدلائل تشير إلى أن الكيان سيواصل حربه الإجرامية لأنه ببساطة لا يجد ما يجبره على التوقف، وزير خارجية الكيان قالها صراحة إن هدف القضاء على حماس لا تراجع عنه، أما الدول العربية التي قدمت نفسها وسيطاً في إقرار الهدنة فهي لم تبحث كما يروج الإعلام المطبل لها ليل نهار عن مصلحةِ الفلسطينيين أكثر ما بحثت عن إرضاء الأميركيين بالضغط على المقاومة للقبول بهذهِ الشرط، ألم نحذر قبل أسابيع من رسائلَ قطرية تعرض طردَ قادةِ الجناح السياسي لحماس من أراضيها إن كان وجودهم سيعرضها لاتهاماتٍ بدعم الإرهاب؟ لماذا قرر مسؤول قطري إفشاء سر الاتفاق معَ الأميركيين والإسرائيليين الذي قضى بتحويل قطر أموالاً لحكومةِ حماس عبرَ بنك إسرائيلي وبإشراف الكيان نفسه؟ هل كان الهدف التملص من دعم حماس أم إحراج حماس نفسها، ماذا لو كان السؤال اليوم قبل انتفاض «الحمساويين» لشكرِ قطر على دورها في إقرار الهدنة، أين ذهبت هذهِ الأموال؟

ببساطة لم تكن فكرة تحويل القطاع إلى سلطة جديدة على شاكلة الضفة الغربية مجردَ كلامٍ في الهواء، بل إن هذا المشروع كان فعلياً يسير بهدوء لإرساء استقرارٍ طويل الأمد يؤدي لموتِ المقاومة سريرياً، عندما نفهم كل هذه الأفكار سنفهم لماذا قرر الكيان السير بعيداً في معركته؟

ما أقبح الإعلام عندما يظهر لك العميل بصورة مقاوم والمقامر بصورة محرر! ومن يدفع الثمن هم فعلياً من يقبضون على الحق كالقابضِ على جمرٍ من النار.. افتحوا البوابة إلى النصف كي لا تتعبوا أنفسكم بإغلاقها عندما يبلغكم الأميركي قراره!

كاتب سوري مقيم في باريس

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن