«العرافة» تعزز رصيد الأعمال السورية في الدراما النفسية … قصص حياتية يعيشها الإنسان لترفع قيمة العمل في حبكة جديدة ومميزة
| مايا سلامي
يصوب يزن شربتجي عدسته في تجربته الإخراجية الأولى نحو عوالم النفس البشرية وأعماقها المظلمة التي تكتنز جملة من العقد والذنوب تطارد صاحبها طيلة حياته، حيث تمكن في عشارية «العرافة» التي انتهى عرضها من خلق دراما نفسية مشوقة حملت رؤى وقضايا اجتماعية جديدة، قدمها في منظور مختلف ومميز من الإثارة عكس إبداعه الخاص الذي لم يكن وليد اللحظة.
كما عززت هذه العشارية من رصيد الأعمال السورية في هذا النوع من الدراما لما حملته من خطوط متشعبة ومتشابكة عقدت بحبكة واقعية وسلسة جعلتها قريبة من نفس المشاهد. و«العرافة» من تأليف حمزة اللحام، وبطولة: يزن السيد، حسين عباس، جفرا يونس، هيما إسماعيل، ليليا الأطرش، تولين البكري، عبد الفتاح مزين، محمد قنوع، مي مرهج، وغيرهم.
قصة العمل
تتمحور قصة العمل حول ثلاثة خطوط تلتقي مصائرها ويجمعها الخوف من الموت والمستقبل المجهول، وهي «سراب» التي تعاني اضطرابات نفسية وهلوسات تجعلها تشاهد «العرافة» التي أنبأتها بموتها وكل من معها، وعن طريق المصادفة تلتقي «الدكتور هشام» و«المحامي حازم عمران» في طريق العودة إلى دمشق بعد هروبها من مستشفى الأمراض العقلية، فتنقلب حياة تلك الشخصيات من بعد ذلك اليوم رأساً على عقب ويسعى كل منهم إلى إصلاح أخطائه الماضية في سباق خصومه الموت والحياة فينجح بعضهم في ذلك والبعض الآخر يستسلم لقدره ويلاقي مصيره الذي أنبأته به العرافة.
أكثر عمقاً
وفي البداية قد يستلهم المشاهد فكرة بسيطة عن العمل من خلال عنوانه الذي يوحي ببطولة عرافة تنذر الآخرين بمصائرهم، لكن هذه العشارية حملت في جعبتها موضوعات أكثر عمقاً وأهمية مستمدة من قضايا نتعرض لها ونعيشها في حياتنا اليومية ولها الكثير من الآثار النفسية السلبية والخطرة.
حيث تطرق العمل إلى فكرة التمييز القائم على النوع الاجتماعي بين الذكور والإناث، وتفضيل الوالدين للمولود الصبي على البنت من خلال قصة «سراب» الذي يدفعها هذا التمييز إلى ارتكاب جريمة في صغرها تدفع ثمنها حياتها.
كما تطرق من خلال «مريم» إلى موضوع التحرش والضغط الاجتماعي الذي تتعرض له الفتاة التي تسعى إلى تحصيل حقها، إضافة إلى سذاجة الإجراءات القانونية الروتينية المتبعة في مثل هذه القضايا، وتأثير مواقع التواصل الاجتماعي التي حولت القصص الإنسانية إلى «تريند» على حساب مشاعر الآخرين، فتصبح «مريم» ضحية لكل ما سبق ويكون مصيرها الانتحار.
وفي عائلة الدكتور هشام أحد الخطوط الرئيسة للعمل برز موضوع الفتور العاطفي بين الزوجين، وصور الشرخ الواسع والكبير بين عاطفة الأم التي تحاول فعل المستحيل لتنقذ ابنها، وعقلانية الأب الطبيب الزائدة عن حدها الطبيعي التي تجعله يتجرد من مشاعره في بعض المواقف فيكون ذلك سبباً في انهيار حياته وعائلته بأكملها.
عمل واقعي
وعلى نقيض الأعمال التي قدمت سابقاً في هذا السياق وقامت بشكل كبير على محاكاة الأعمال الأجنبية، تميزت هذه العشارية بواقعيتها وقربها من المجتمع السوري بكل تفاصيله وعاداته، كما اتسمت ديكورات المنازل والأزياء بالبساطة بعيداً عن المبالغة والاستعراض.
ونجح صناعه في خلق حالة من الرعب النفسي بالاستناد إلى قصص حياتية يومية يعيشها كل فرد سوري وعربي الأمر الذي رفع من قيمة العمل وجعله قريباً من الجماهير يحاكي موضوعات تخصهم لكن بمعالجة جديدة ومميزة.
اختيار الممثلين
وكان اختيار الممثلين أيضاً من النقاط الإيجابية في العمل حيث أجادوا أدوارهم وأدوها بكل براعة، فلمعت الفنانة جفرا يونس بدور البطولة وأبدعت بتجسيد شخصية «سراب» المركبة والمحملة بعقد نفسية تلازمها منذ الطفولة.
كما نجح الفنان يزن السيد بأداء شخصية متزنة فتألق بدور المحامي «حازم عمران» الذي يدفعه طمعه بالجاه والمال إلى الابتعاد عن مسار العدل والحق، لتنقلب الأحوال في النهاية ويسعى إلى تصحيح أخطائه والهروب منها.
ونجحت الفنانة ليليا الأطرش في هذا العمل بشخصية «فاتن» التي أعادتنا إلى أدوارها الاجتماعية السابقة التي تألقت فيها بالدراما السورية وحصدت من خلالها محبة جماهيرية واسعة، فشاهدناها في هذه العشارية بدور المرأة الرزينة التي تحاول إبعاد زوجها المحامي عن القضايا التي يتولاها.
وبرعت الفنانة تولين البكري بدور الأم الثكلى التي تعاني الوحدة بعد وفاة ولدها وعكست هذه الحالة بأداء واقعي إلى جانب الفنان حسين عباس الذي صور من خلال شخصية «الدكتور هشام» حالة من التناقض بين عواطف الأب الجياشة التي تظهر تارة والطبيب بارد الأعصاب تارة أخرى.