القمة بين الرئيسين الأميركي جو بايدن والصيني شي جين بينغ، في سان فرنسيسكو في كاليفورنيا، على هامش «منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ» تشرين الثاني 2023، كانت أول لقاء يجمعهما منذ أكثر من سنة.
اللقاء امتدّ لساعات؛ وبدا بايدن وأعضاء إدارته حذرين، لضمان أن القمة تُبقي العلاقات على «السكّة الصحيحة» بعد سنوات من الانحدار الذي شهدته هذه الأخيرة، في وقت «لا ترغب» فيه واشنطن، المُنشغلة بحربَين، في الشرق الأوسط وأوروبا، أي مواجهات جديدة، ولاسيما مع الدولة التي تمثّل، على حدّ تعبير صنّاع السياسة الأميركيين، «أكبر تحدّ جيوسياسي لها».
هكذا بدت القمة وكأنها تسير وفقاً لـ«سيناريو ديبلوماسي» مجهّز مسبقاً، طبعاً باستثناء وصف بايدن لشي بـ«الديكتاتور»، وهو الأمر الذي أبدى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن،عدم ارتياحه لهذا الوصف، كما لو أن رئيس دولته ارتكب، عبر ارتجاله هفوةً، ستجبر بلينكن وغيره من مسؤولي الإدارة الأميركية، على إيجاد «مخرج» لتبرير التصريحات الأخيرة، على غرار ما حدث في غير موقف بعد «زلّات لسان» ساكن البيت الأبيض.
عبارة بايدن عكّرت صفو القمة، وهو تعبير استنكرته الصين، على لسان الناطقة باسم وزارة الخارجية الصينية بقولها: إن «هذا النوع من الخطاب غير المناسب تلاعب سياسي غير مسؤول. والصين تعارضه بشدة»، علماً أن الزعيمين لم يلتقيا شخصياً منذ عقدا محادثات على هامش قمة «مجموعة العشرين» في بالي في تشرين الثاني 2022، وتدهورت العلاقات بين البلدين بعدما أسقطت الولايات المتحدة منطاداً صينياً في شباط 2023، ولاحقاً ندد الرئيس شي باستراتيجية أميركيا لـ«تطويق» الصين، في حين تعمل الولايات المتحدة على تعزيز تحالفاتها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
الرئيس بايدن أكد في بداية الاجتماع أن بلاده تريد تحسين العلاقات الثنائية. عملياً، لا يختلف تصريح بايدن عن تعهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بـ«علاقة رائعة جداً» مع بكين خلال استقباله الرئيس شي قبل ست سنوات، وكانت تلك الزيارة الأخيرة للرئيس الصيني إلى الولايات المتحدة، ومنذ ذلك التعهد تدهورت العلاقات بشكلٍ كبير.
ترى صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية أن القمة لم تنه الأزمة بين البلدين، لكنها علامة على رغبتيهما في الحفاظ على العلاقات، وذوبان الجليد.
على الصعيد العسكري تلقت الاتصالات والعلاقات العسكرية بين الدولتين عدة ضربات، مثل قضية المنطاد وزيارات تايوان، ما دفع بالصين لتعليق الحوار العسكري بين الطرفين احتجاجاً على الممارسات الأميركية، ولكن القمة، التي انطلقت على خلفية توقعات متواضعة، أتاحت استئناف التواصل العسكري على أعلى المستويات بين بكين وواشنطن، مخففة خطر تصعيد غير مقصود في بحرَي الصين الشرقي والجنوبي.
وقال بايدن خلال المؤتمر الصحافي: «أعتقد أن هذه كانت أكثر مناقشات بنّاءة ومثمرة أجريناها». وأعلن أنه اتفق مع نظيره الصيني على التحادث هاتفياً «مباشرة وفوراً» عند حدوث أي أزمة، و«إبقاء خطوط الاتصال مفتوحة، بما في ذلك بيني وبين الرئيس شي».
من جهته، قال الرئيس شي أمام قادة من رجال الأعمال في سان فرنسيسكو، إن «الصين لا تبحث عن مجالات النفوذ، ولن تخوض حرباً باردة أو ساخنة مع أي بلد»، وأعرب عن اعتقاده بأنه «متى فُتِح باب العلاقات الصينية – الأميركية فإنه لن يُغلق مجدداً».
ولعل أهم قضية داخلية أثارها الرئيس شي في القمة، هي وضع تايوان التي تعدّها بكين جزءاً من أراضيها، وقد شدد بايدن على موقف الولايات المتحدة المبهم تجاه قضية تايوان، وهو أنها لا تدعم استقلال الجزيرة لكنها ترفض استيلاء بكين على السلطة فيها بالقوة، من جهته، طالب شي بايدن بأن تكفّ واشنطن عن تسليح تايوان، مؤكداً له «حتمية» إعادة ضمّ الجزيرة إلى البرّ الصيني.
على صعيد مكافحة مخدّر الفنتانيل، الآفة التي تعانيها الولايات المتّحدة حالياً، قال مسؤول أميركي كبير إن الرئيس الصيني وافق على اتخاذ إجراءات مهمة من شأنها أن تخفّض «بشكل كبير» إنتاج مكونات مخدّر الفنتانيل الذي أدى إدمانه في الولايات المتحدة إلى أزمة كبيرة.
من جانب آخر أكد الرئيس بايدن أن الصين وأميركا في علاقة تنافسية، وأنَّ «العالم يتوقع منَّا أن ندير هذا التنافس بشكل مسؤول لمنع تحوله إلى مواجهة أو حرب باردة»، الرئيس الصيني يرى أن «الكرة الأرضية» تتَّسع لهما معاً، وقال «لا ينبغي للولايات المتّحدة أن تسعى لقمع الصين واحتوائها»، وحذّر نظيره الأميركي من أن بكين غير راضية عن العقوبات والقيود المفروضة من جانب الولايات المتحدة ضد شركاتها.
من ناحية أخرى طالبت واشنطن الصين، الشريك المقرب من إيران وروسيا، ألا تسهم في تفاقم الأزمات الدولية الكبرى، وعلى وجه الخصوص في الحرب الإسرائيلية على غزة، والحرب الأوكرانية.
بالنسبة للحرب الأوكرانية، أكد بايدن لنظيره الصيني استمرار الولايات المتحدة في دعم أوكرانيا ضد روسيا، وأوضح أنه يمكن للصين أن تلعب دوراً في المساعدة لإنهاء الصراع.
وتلعب الصين دوراً مهماً في العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا بدعمها الاقتصادي الكبير للجانب الروسي، ما تسبب في انتقادات حادة للصين في الولايات المتحدة، وإن تصريحات شي أثناء زيارته موسكو في وقت سابق من هذا العام، بدت كأنها تعكس وجهة نظر داعمة لروسيا، وقال شي في موسكو: «في الوقت الحالي هناك تغييرات، لم نشهد مثلها منذ 100 عام، ونحن الذين نقود هذه التغييرات معاً»، واعتبر خبراء أميركيون أن هذا التصريح بمثابة تحد ثنائي للولايات المتحدة.
وحول الشرق الأوسط، قال البيت الأبيض إن الرئيس كرر دعم حق إسرائيل في الدفاع عن النفس، وأن يستخدم الطرفان نفوذهما لمنع توسع النزاع، وهنا يعني دعوة بايدن أن تستخدم الصين نفوذها مع إيران للتهدئة.
قمة كاليفورنيا مجرد اتفاق على تهدئة مؤقتة بين واشنطن وبكين، القمة نجحت في إعادة الخط الساخن بين قيادة البلدين المتنافسين، وخصوصاً الأمور العسكرية منه، إلا أن العلاقة بينهما سوف تبقى رهينةَ السياسة الداخلية والاقتصادية بين البلدين، التي تصفها واشنطن دائماً بالتنافس.
فعلى الرغم من قول الرئيس الأميركي إن المباحثات كانت صريحة وبناءة، فإنَّ الإجماع في الدوائر السياسية ومراكز الأبحاث وصفت نتيجة القمة بالمتواضعة، وعلى الرغم من أن الرئيس بايدن تحدث بعد اللقاء عن تقدم مهمّ تمَّ إحرازُه خلال الاجتماع، فإنَّه في الواقع لم يصدر بيان مشترك عمَّا اتفقا عليه، وخصوصاً في المسائل الإستراتيجية، واكتفى كل طرف بإصدار وجهة نظره منفرداً.
الإنجازات محدودة، لكنها مهمة، لأنها توقف الانزلاق في العلاقة نحو مزيد من التوتر، فالقمة أعادت الحوار والاتصالات العسكرية وأعادت العمل بلجنة العمل على المناخ، وهذا مهم قبل قمة المناخ في دبي لاحقاً هذه السنة، واتفقا على مكافحة مخدر الفينتانيل الذي تعاني أميركا خطره على المجتمع.
أما القضايا الإستراتيجية فلا يبدو أن تقدماً كبيراً حصل في شأنها، حول تايوان حيث كان هذا الملف هو الكلمة الفصل على مائدة اللقاء، وكان موقف شي قاطعاً لجهة اعتبار أنها القضية التي لا تقبل النقاش، والكفيلة بإشعال حرب عالمية بين الطرفين.
قمة بايدن- شي حققت نوعاً من التهدئة ونتائج متواضعة ومحدودة، ويبدو أنها توصلت لتفاهمات بين البلدين «الشركاء الأعداء» على إدارة الاختلافات حول القضايا الإستراتيجية.
وزير وسفير سوري سابق