وسط كل هذا الجحيم المتنقل يحق لنا الهروب، ولو بشكل مؤقت، إلى جنة من صنعنا في هذه الأرض الواسعة.
يحق لنا استراحة قصيرة نسترد فيها أنفاسنا التي كادت تنقطع بعد كل هذا الجنون والنار والموت على قارعة الزمن، وليس فقط على قارعة الطرق.
لكننا فقدنا السمت فعلاً، لم نعد نعرف الطريق المؤدي إلى الجنة الأرضية التي سنقضي فيها استراحتنا من الجحيم، فنحن قبل الجحيم وبعده نعيش في جحيمنا الخاص، ربما يوافقني الكثيرون، وربما يعارضني البعض، لكنني مصر على موقفي فأنا أشعر بأنني أعيش جحيماً لا يطاق.
ليعذرني من يعارضني بحجة أن الوقت ليس مناسباً لطرح قضايا يعتبرونها صغيرة وهامشية أمام القضايا الكبرى، وفي مقدمتها معاناة الشعب الفلسطيني الذي يواجه أعتى عدو عرفه التاريخ.
لا أنكر تلك المعاناة، لكنني كي أتعاطف مع هذا الشعب وأساند بطولاته، يجب أن أتابع أخباره وأشاهد المقاومة وهي تسطر صفحات من البطولة والفداء والعطاء، وهذا أمر يشبه المستحيل في ظل انقطاع التيار الكهربائي لسبع ساعات وحتى أكثر في كل المناطق، وحتى في قلب العاصمة.
هل تعجز الحكومة عن توفير إيصال ست ساعات يومياً من الكهرباء وبشكل متقطع، وفق تقنين محدد، فقط كي يشعر هذا المواطن أن له أهمية بالنسبة للحكومة؟!
لن أستفيض في تعداد جميع الأزمات التي يعانيها المواطن، بحيث لا يجد الفرصة لقضاء دقائق معدودات من دون معاناة وأزمات ومشاكل!
أين جنتنا الصغيرة التي بإمكاننا اللجوء إليها عندما نشعر بالتعب ومن لهيب الجحيم الذي يحيط بنا؟
لا وقت لدينا كي نصنع هذه الجنة، بل ليس لدينا الوقت حتى للحظة تفكير واحدة، فكل همنا وأكبر مشاكلنا تحاصرنا أكثر من حصار «قيصر» تفكيرنا ينحصر في البحث عن رغيف الخبز وكيفية تأمين الدفء لبيوتنا في هذا الشتاء الطويل، والأهم، كيف نفصل راتبنا المحدود على أيام الشهر، وهذه وحدها من أكبر المشاكل، إذ لا يستطيع أبرع الخياطين تفصيل الرواتب على أيام الشهر.
الجنة التي نبحث عنها غير متوافرة على هذه الأرض حالياً، ربما تأتي في يوم من الأيام بلا موعد ومن دون انتظار، وربما لا تأتي أبداً ويبقى الفقير يحلم بجنة الله، بعد عمر طويل، ألم يقولوا: الفقراء يدخلون الجنة؟.
لكن حتى هذا الوعد غير مضمون لأن الفقير إذا فاض بلاؤه وزادت مشاكله وأزماته قد يكفر، وهذا يحول دون وصوله الآمن إلى جنات الخلد أو النعيم، فالفردوس تحتاج إلى فائض من إيمان وإلى العمل الصالح، لكن من يعطينا الوقت لنحافظ على إيماننا ونقوم بالعمل الطيب الذي قد يكون جواز سفرنا إلى الجنة الموعودة.
هل نتحمل هذا المشهد الرهيب؟ فقدنا جنة الأرض وربما نفقد جنة الحياة في الآخرة، وبذلك سنعيش نار الدنيا ونار الآخرة، إلا إذا غفر اللـه ذنوبنا ومنحنا بطاقة مجانية للدخول إلى جنة وسعها السموات والأرض.
في هذه الحال لم يبق لنا إلا الحلم وانتظار المغفرة والعفو من الله، وحتى ذلك الوقت سنحاول أن نجد لحظات هاربة من الزمن نتمتع خلالها ببعض الراحة والهدوء وراحة البال.