شؤون محلية

اقتصاد السوق ليس حلاً

| نبيل الملاح

دفعني لكتابة هذا المقال ما يطرحه بين الحين والآخر بعض الباحثين والخبراء وأساتذة الاقتصاد لتسويق نهج اقتصاد السوق في معالجة الأوضاع الاقتصادية وتحسين الأوضاع المعيشية.

بداية أقول لهؤلاء إن اقتصاد السوق لم ينجح إلا في الدول الغنية التي تملك تراكمات رأسمالية كبيرة، وتنتهج سياسات متوازنة في تحديد الرواتب والأجور ولديها أنظمة ضمان صحي واجتماعي تحقق العدالة الاجتماعية لذوي الدخل المحدود، وهذا هو السبب الرئيس لاستقرار هذه الدول ونؤكد ذلك في مجال عدم تحقيق التوازن في معادلة الرواتب والأجور وتكاليف الرعاية الصحية والاجتماعية، ما يؤدي إلى زعزعة الاستقرار وتزايد العنف والفوضى.

وأعتقد أن قوانين العولمة التي ظهرت في تسعينيات القرن الماضي أدت إلى زرع بذور الخلل وعدم التوازن الاجتماعي والاقتصادي في هذه الدول، وأدت إلى زيادة الفقر والجوع في الدول الفقيرة والنامية وتراجع موارد هذه الدول في مقابل تزايد عدد الأثرياء واحتكارهم لنسبة عالية جداً من الدخل القومي.

لقد نبه الكثيرون وأنا واحد منهم إلى مخاطر العولمة وأهدافها ووصفوها بالرأسمالية المتوحشة، وأن اقتصاد السوق هو المدخل لغرض العولمة التي تهدف إلى السيطرة على العالم اقتصادياً وسياسياً والتحكم بثرواته الطبيعية وغير الطبيعية، وأن اقتصاد السوق لن يستطيع البقاء فيه إلا الأقوياء والأثرياء.

وأنا من المؤمنين أن العولمة أتت في سياق المشروع الصهيوني ومشروعاً مساعداً لتحقيق أهدافه للسيطرة على العالم كله.

وللأسف الشديد أن البعض حاول فرض بعض القوانين والسياسات في سورية تماشياً مع قوانين العولمة وبدعم من الأغنياء وأصحاب الثروات الضخمة التي جمعوها بطرق غير مشروعة في ظل انتشار الفساد واختراقه لجميع مؤسسات الدولة.

وأدت الأزمة التي تعرضت لها سورية في العقد الماضي إلى فرض أعباء كبيرة جداً على موازنة الدولة التي باتت عجوزاتها تتراكم وتتزايد، وأدى ذلك إلى تراجع الأوضاع المعيشية بشكل كبير لا يحتمل وأصبح أغلب الشعب السوري يلامس خط الفقر وانتشار الفساد بقوة بسبب استغلال البعض ظروف الأزمة وفرض الأتاوات التي أدت إلى زيادة الأسعار بشكل كبير، وظهر عدد من المستغلين «الأثرياء الجدد» الذين يحصلون على نسبة عالية من الدخل القومي.

وفي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها سورية وتراجع موارد الدولة عاد البعض من المنظرين إلى طرح مسألة الدعم الذي تقدمه الدولة إلى مختلف الشرائح الاجتماعية المستحقة له، متجاهلين أن 90 بالمئة من الشعب السوري أصبح بحاجة ماسة إلى هذا الدعم، وأن رواتبهم وأجورهم لا تكفي إلا لضعة أيام؟! وكان الأحرى بهم أن يطرحوا فرض ضريبة على ثروة الأغنياء الجدد.

لابد من صياغة رؤية اقتصادية تناسب بلادنا وتحقق العدل والإنصاف للأفراد والجماعات، وإيجاد «توليفة» من المفاهيم الإيديولوجية المختلفة الليبرالية والاشتراكية انطلاقاً من العلاقة الوثيقة بين السياسة والاقتصاد والتأكيد على أن اقتصاد السوق ليس حلاً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن